العالم هو الذي جن
بقلم / عوفر شيلح - معاريف: الأربعاء 24/2/2010
لا شك في أنكم رأيتم الأفلام الدعائية القصيرة التي تحفزكم إلى أن تصبحوا دعاة إعلاميين لـ"إسرائيل", لفت انتباهي على نحو خاص واحد منها حيث نرى فيه مراسلة التلفاز الفرنسية، التي تصف بتأثر صوت حرب المهاجرين في شوارع "إسرائيل", في حين يدور الحديث في واقع الأمر، كما يلحظ كل إسرائيلي في الصور عن فرح يوم "الإستقلال", مسيرة للجيش الإسرائيلي، وألعاب نارية وطيران لسلاح الجو كل ذلك يصبح عند الغريب غير المدرك علامات حرب, ونحن، يقول القارئ المخول، إذا تصفحنا موقع الإنترنت الصحيح وتعلمنا هناك كيف نقوم بالدعاوى، نستطيع تصحيح الخطأ وأن نأتي "إسرائيل" بالخلاص.
صحيح، هذا فليم فقط، ينقل رسالة ولا يلتزم الدقة, لكن العالم هو الذي يحاول أن يرسم لنا: ففي هذا العالم، "إسرائيل" طبيعية (ولن نقول عادلة)، والعالم فقط لا يفهمها, في هذا العالم، كما اعتاد كل إسرائيلي الإعتقاد، كل شيء هو مسألة إعلام, ولهذا يوجد دائما من نتهمه، أي من لم يحسن بيان عدالتنا.
لكن خصصوا لحظة تفكير في أنه كيف تصور "إسرائيل" الحقيقية في نظر الأجنبي: أجل، يوجد فيها جنود كثير بملابس عسكرية في الشوارع, ويوجد فيها حضور بارز دائم لإشارات عسكرية: لا يوجد الكثير من الدول الديمقراطية التي فيها زيارة وحدة من سلاح الجو هي نبأ في نشرات الأخبار في يوم عادي, ولا يوجد دول كثيرة يكون فيها تعيين ضئيل الشأن في الجيش، مثل قائد لواء، عنوانا في أول صفحة أو عنوانا مزدوجا في صفحات الأخبار, ولا يوجد بطبيعة الأمر دول حرة كثيرة يظهر فيها رئيس الأركان في الصفحات الأولى حتى لو لم يقل شيئا أو لم يفعل شيئا يحظى بالنشر، لمجرد أنه رئيس الأركان.
ستقولون إن وضع "الدولة" يقتضي هذا, لا يوجد أيضا دول ديمقراطية كثيرة تواجه خطرا مثلنا, صحيح لكن هذا هو الواقع، لا صورته في عيون الأجانب, وإذا تغلغلنا طبقة واحدة في العمق، فإن هذا أيضا هو واقع الوعي الذي نعيشه بغير أن ننتبه، إلى حد أننا أصبحنا معتادين على الإعتقاد في كل تفسير موضوعي له أنه يشهد بالعداوة, برز نفس التصور أيضا في الرد الإسرائيلي على الغضب الدولي الذي صب علينا في إثر استعمال جوازات السفر المزيفة في عملية الإغتيال في دبي, لا تعظونا، هذا هو الرد الإسرائيلي على الغضب الطبيعي للدول التي تم الإخلال بسيادتها، لأنكم تقفون في المكان الذي نقف فيه, إن وزير الخارجية، الذي جعل الشعور المتكبر بالسيادة سياسة عالمية جديدة، رد على نظرائه ردا ساخرا قائلا: "يبدو أنكم رأيتم الكثير جدا من أفلام جيمس بوند", لا شك في أن هذا سيسكن النفوس العاصفة للقادة الذين يشعرون بأن "إسرائيل" تطأ أرضهم بقسوة بل إنها لا تطلب الغفران.
ربما تكون حملة الدعاوى الجديدة ترمي إلى تحسين صورتنا في العالم، لكن تأثيرها الرئيس في الواقع هو فينا, إنها ترمي إلى أن توحي إلينا بأن حياتنا طبيعية، وأن الحق معنا، وأن مشكلتنا كلها هي الإعلام, وهي تعزز الشعور، الذي ضعف عند الإسرائيليين كما يرى كثيرون، بأن ما يحدث هو ما يجب أن يحدث, تقول الحملة الدعائية إن كل أمر غير طبيعي هو في نظر المتأمل ينبع من جهله أو من ضعفه الأخلاقي, وإذا جندنا أنفسنا جميعا فقط، أي المواطنين المخلصين الذين لا يسألون، وأبعدنا عن أنفسنا كل شك فستحل جميع المشكلات.
********************************************************************-