طريق تركي: إقامة قناة سرية مع الفلسطينيين
بقلم / يوسي بيلين - إسرائيل اليوم: الإثنين 22/2/2010
أعتذر مسبقاً, لكن لا أدري لماذا يسمى مثل هذا الأمر "طريق تركي"، وآخر ما كنت أريده الآن، بعد شغب الثنائي المحطم، هو إلحاق أذى آخر في علاقاتنا المتضعضعة مع تركيا, ولكن "طريقا تركيا" يسمى الطريق الذي يشق وبعد أن ينتهي شقه لا يسافرون عليه بل على هوامشه, لماذا؟ لأن الحفر والمطبات التي تظهر فيه تجعل السفر عليه متعذرا.
في سياق المحادثات التي ستفتح قريبا بين "إسرائيل" والفلسطينيين لا بديل عن تحويل مسار محادثات التقارب إلى طريق تركي، تم شقه, ولكن المحادثات الحقيقية ستعقد في هوامشه إلى أن تصبح الهوامش بسرعة هي الطريق الأفضل.
السياقات معروفة: "أوباما" حدد لنفسه هدفا، مع بداية ولايته, وهو تجميد البناء في المستوطنات, وبدلا من أن يطالب "إسرائيل" ذلك في إطار ثنائي, جعله وبخطأ جسيم، شرطا لمجرد إجراء المفاوضات, والقيادة الفلسطينية التي وقفت على الخطأ، ما كان يمكنها أن توصي الأمريكيين بالتخلي عن ذلك لأن تجميد الإستيطان هو أحد الأمور الهامة في نظرها، وهي سعيدة لاقتراب المواقف بينها وبين الإدارة الجديدة.
غير أنهم في المحادثات مع "إسرائيل" تبين للمبعوث الخاص "جورج ميتشل"، بأن رئيس الوزراء "نتنياهو" غير مستعد لتجميد كامل, وأضاع سنة كاملة على مفاوضات حول طبيعة جزئية التجميد حتى الإتفاق حول عشرة أشهر "التريث"، التي لا تتضمن البناء في شرقي القدس، المباني العامة وآلاف أخرى من وحدات السكن التي سبق أن أقر بناؤها عن قصد عشية بيان التجميد الجزئي.
الفلسطينيون، في رد فعلهم، رأوا في التنازل الأمريكي نوعا من الشرعية الأولية لبناء إسرائيلي في المستوطنات، ولم يوافقوا على استئناف المفاوضات, وطالبوا – كبديل – بتجميد لزمن أقصر (حتى ثلاثة أشهر) في أثنائها تعقد مفاوضات مكثفة بين الطرفين, أما "إسرائيل" فعارضت ذلك.
بعد عدة أشهر من المراوحة في المكان اقترح الأمريكيون اقتراحا غريبا: "محادثات تقارب", ومعنى الأمر هو, أن يتقرر مكانا معينا يتواجد فيه (كلٌ على حدا) الوفد الإسرائيلي، الأمريكي والفلسطيني، و"ميتشل" ينقل بينهم الرسائل, الإسرائيليون والفلسطينيون لن يلتقوا فيما بينهم مباشرة، رغم أنهم يعرفون الواحد الآخر أكثر مما يعرفون "ميتشل", هذه الفكرة، التي تعيدنا لسنوات عديدة إلى الوراء، ترمي للسماح بنزول أبو مازن عن الشجرة دون أن يضطر "نتنياهو" إلى وقف الإستيطان، حتى لتسعين يوما.
وافق أبو مازن على الإقتراح بعدم مبالاة, ولهذا الغرض تلقى ضوء أخضر داخلي من مؤسساته وسافر -على عادته- إلى الدول العربية كي يتلقى ضوء أخضر من زعمائها أيضا, وبالتوازي طلب عدة إيضاحات من الأمريكيين عن أساس المحادثات وماذا سيحصل إذا لم تنجح.
من المتوقع لأبو مازن هذه الأيام أن يحصل على الدعم العلني لمحادثات التقارب من وزراء الخارجية المسؤولين عن متابعة المبادرة العربية، وسيحظى برد غامض وجزئي من الأمريكيين, وعلى هذه الخلفية سيعلن موافقته على محادثات التقارب.
ولكن لما كانت محادثات التقارب معقدة وإشكالية للطرفين، فمن المهم أن يتقرر منذ الآن بين "إسرائيل" والفلسطينيين مسار مباشر، سري، تجرى في إطاره المباحثات الحقيقية في الوقت الذين يشق السناتور العجوز طريقه بين فندقي الوفدين, إذا كان لأحد ما مصلحة في فحص جدي لمواقف الطرف الآخر، وإذا كان أحد ما يعتزم دفع المسيرة السياسية إلى الأمام وليس فقط أن يثبت لـ"أوباما" بأنه يتصرف على نحو جميل, فهذا هو الطريق الوحيد, أما الطريق التركي فمن الأفضل تركه فارغا.