كيف نفهم الأمن
يزعم بعض النـاس أنّ العمل الأمني هو من الأعمال الغريبة عن العمل الإسـلامي ، ويتناقض مع توجّهاته ، وأهدافه ، ومنطلقاته ! .. ويستنكرون أيّ نشاطٍ أمنيٍ تقوم به التنظيمات الإسلامية ، أو المعنيّون من أفرادها !.. وقد تشكَّل مثل هذا الاقتناع عند هذا الصنف من الناس، نتيجة الخلفية النفسية تجاه العمل الأمنيّ في بعض الدول بشكل عـام، فالأمن أو "الأجهـزة الأمنية" في الدولة ، ارتبط دوماً بواقعٍ وتاريخٍ مظلم ، وَسَمَ جوانب كثيرةً من جوانب الحياة العامة لها !.. وتعبير "الأمن" أو "الجهاز الأمني" ، ارتبط في عالمنا بالقمع ، والرعب ، والسجن ، والزنزانة ، ومراقبة الناس ، وكشف أستارهم ، ومداهمة البيوت .. كما ارتبط بالجلاّد ، والسَّوْط والتعذيب ، والدولاب ، والضحيـة ، ونزف الدماء ، والظلم ، والقهر !..
القرآن الكريم والمفهوم الحقيقي للأمن :
إنّ تحقيق الاستقرار والسكينة ، والأمن من المكاره ، والطمأنينة والحماية ، هو المعنى الحقيقي للأمن في القرآن الكريم :
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82).
فالأمن هو ثمرة للإيمان الخالص النقي ، إنه أمن النفس وأمن المجتمع وأمن الصفّ الإسلاميّ وأمن الأمة المسلمة ، النقي من الشوائب المختلفة ، شوائب النفس أو شوائب بنيان هذا الصفّ ، والأمن نعمة من الله لا يحظى بها إلا المؤمنون الصادقون ، الذين يعبدون الله وحده ، ويعملون للوصول إلى تحقيق العبودية المطلقة لله سبحانه بين البشر .. كل البشر:
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش: 3 و4).
فيا ربّ كنْ معنا، وآمِن خَوْفَنا ، وانصُرْنا على عدوّنا ، وانصُر مَنْ نَصَرَنا ، واخذُل مَنْ خَذَلَنا ، واجعلنا من عبادِكَ المؤمنين الصادقين ، العاملين بهدي كتابك الكريم وسنّة نبيّك ورسولك صلى الله عليه وسلم.
الأصل الشرعي الأول : الأمن والقرآن الكريم :
القرآن الكريم، الذي هو كتاب الله العظيم، ودستور الإسلام القويم، يحتوي -فيما يحتويه- على أعظـم المعاني الأمنية ، ولا نبالغ مطلقاً عندما نقول : إنّ كتـاب الله تعـالى جاء بالكثير من أساسيات العمل الأمني ومفاهيمه ومفاتيحه ، وقد أكّدت النصـوص القرآنية بشكلٍ لا يقبـل الاجتهاد أو طـول النظر والتفكير ، أنَّ للعمل الأمني أصلاً شرعياً من الأصول الإسلامية التي ينبغي للمسـلم أن يأخذ بها ، ويستفيد منها ، وينفّذ روحها وتعاليمها، ومن أراد الدليل أو المزيد ، فما عليـه إلا أن يستعـرض كتاب الله عز وجل ، ويتلـوه "بعينٍ أمنيةٍ" ، ليكتشف بنفسه حقيقة ما نقول!
لقد زخرت قصص الأنبياء (عليهم صلوات الله وسلامه) في القـرآن الكريم .. بالعديد من المعاني والعِبَر الأمنية، خلال تبليغ دعوتهم لأقوامهـم ، ومَن يتأمل في بعض تلك القصص فسيصل إلى اقتناعٍ قويٍ بأن الحـذر والأمن ، كانا من الأساليب الضـرورية التي لا يمكن التخـلي عنها ، في أي دعوةٍ من الدعوات التي جاء بها أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام !