لماذا يخشى النَّاسُ مِنَ النَّصيحة ؟ - د.وائل الزرد

لماذا يخشى النَّاسُ مِنَ النَّصيحة ؟

نمر في شوارع بلادنا ونسمع الكثير منالشكاوى على الكثير من القضايا بحقٍّ وبباطلٍ ، والناس يتكلمون ويعلنون رفضهمواستنكارهم لما يحدث هنا وهناك ويظهرون عدم رضاهم عن بعض المظاهر السلبية التي تقعمن هذه المؤسسة أو تلك .
وفي أوقات كثيرة يجد المرء نفسهمنزلقاً مع الناس يخوض مع الخائضين ويخطأ مع المخطئين ، ويردد كالببغاء ما يقولهالعامة والدهماء ، دون مسكةٍ من عقل أو ميزانٍ من شرعٍ أو وازعٍ من خلقٍ أو ضميرٍ!
فلقضية واحدة تُرتفع الأصواتُ وتُحَمَّلُالمسئولية لكل الجهات : الحكومة والتشريعي والحركة والوجهاء والمفكرين والعلماءوالشعب والأمة والعالم !
وخذوا مثلاً :
جلس الأهالي في أماكن تجمعهم المعتادفي حيهم ، وأخذوا يتذاكرون في امتلاء شوارع الحي بمياه الصرف الصحي ، فهي طافيةعلى السطح والرائحة الكريهة منبعثةوالحياة صارت صعبة ولا تطاق ، وبدأ المشوار ...
+ يقولون : كان الأصل في وجهاءالحي أن يتصرفوا ويضعوا حدًا لهذه المهزلة التي نعاني منها ، ولكنهم معذورونفالأمر ليس بأيديهم !
+ والمفترض أن تتحرك البلديةلإصلاح هذا الخلل وإراحة الناس من هذا الهم الذي لازمهم في الليل والنهار ، ولكنهممعذورون فالأوضاع صعبة !
+ ولو أنَّ وزارة الحكم المحلي فيالحكومة تأمر وتنهى لحدث الحل ، فهي المسئولة عن النظافة في البلد ، ولكنهم معذورونفالحصار قاتل !
+ ولماذا لا يتدخل نواب المجلس التشريعي فقدانتخبناهم لخدمتنا لا للتعالي علينا ، فقولهم ملزم وحكمهم نافذ ، ولكنهم معذورونفالمجلس قد قُصِفَ !
+ تقدم البطلُ منهم وقال : هذه القضية يجب أنتطرح على مجلس الأمن العالمي والاتحاد الأوروبي لِيُتَّخَذَ في المسألة قرارٌويوضع لها موازنة ودراسة جدوى ، ويجب أن يهتم الإعلام ليعرف العالم حجم المصيبةالتي نحياها ، والكارثة التي نعيشها ، ولكن يظهر أنهم جميعاً معذورون ، فالمشكلةعامة !
انْفَضَ المجلس وعاد كل الجالسين إلىبيوتهم والرائحة الكريهة تملأ أنوفهم والعجز البشري قد تربع على قلوبهم ولم يتغيرشيء ، وبأمثال هؤلاء العجزة الخائفين لن يتغير شيء في حياة الناس .
ما دامت العزيمة تفتقد الصدق ،والإرادة تلبسها الضعف ، والهمة هامت في أوهام وخرافات ، والخوف سكن القلوبوالتخيلات حامت في أذهان الكبار والصغار ، ما دام الأمر كذلك فلن يتغير شيء لأنالناس يخشون من النصيحة !
والآن تعالوا لنعرض لبعض الأمورالمهمة على وجه السرعة والتي تقف وراء خشية الناس من النصيحة :
قولهم : الوصول للمسئولين مستحيل
[b] اعتقدكمٌّ كبيرٌ من الناس أن الوصول إلى المسئولين أقرب إلى المستحيل ، فالمسئولونمشغولون دائماً وأبوابهم أمام العامة موصدة ، والطرق الموصولة إليهم مغلقة ،والحجاب والحراس يمنعون الهواء من الدخول إلا بإذن مسبق ، والإذن قد يصل إلى أياموشهور وربما سنوات ...
وللأسف قد أقنع هذا الصنف من الناس نفسه بأنالمسئولين لا يمكن الوصول إليهم ، وعليه ليس لنا أمام كل ما يحدث إلا الصبروالمصابرة والتجلد للضر ، والتحمل للمشاق والصعاب ، مع أن الأمر على خلاف ما يعتقدونويظنون .
نعمالأمر على خلاف ما يظنون ويعتقدون ، فالوصول للمسئولين ليس مستحيلاً ولا حراماً ،وها نحن نرى المسئولين صباح مساء يتجولون بين الناس في المساجد والشوارع والطرقات، وبيوتهم مفتوحة لكل شاكٍ ، ويقدر على الوصول إليهم كل من سعى لذلك سالكاً الطرقالمتبعة في مقابلة أمثال هؤلاء الناس .
فالإمامليس كالمأموم ، وأعباء المواطن العادي ليست كأعباء الرئيس أو المسئول ولكننا فيالنهاية جميعاً من بني آدم ، وأكرمنا عند الله أتقانا ، فليتق الله العاجز الخاملولينزع عنه استحالة الوصول للمسئولين ، ولتكن خطوة التغير منك أنت لا من غيرك ولاتنتظر أحداً ، فأنت الأول ولا ترضى غير ذلك .
قولهم : من يسمع شكوانا
[b] يُقْعِدُكثيرٌ من الناس نفسَهُ عن النصيحة ويعجز عنها بحجة أنه لا يسمع شكواه أحد ،فالمسئولون مشغولون ، وعندهم من الهموم الكثير ولن يكترثوا بنا ولا بشكوانا .
هكذايَعذرُ هؤلاء أنفسَهم بأن المسئولين مشغولون عنهم بقضايا كبيرة وبهموم جماعية ومننحن حتى يسمعونا أو يستجيبوا لنا ، فلسنا ممن يملك رقماً خاصاً ، ولسنا من عائلةكبيرة ولا رجال أعمال ولا تجار كبار ، فمن هذا الذي سيسمع لنا ؟
وكأنَّالمسئولين ملائكة مكرمين وأنبياء مرسلين ، ليس معهم وقت لسماع الناس ولا للجلوسلفض نزاعاتهم وحل إشكالاتهم ، يمنون أنفسهم –ليفلتوا من إثم الصمت- بأن المسئولينفي لقاءات متكررة وجدول أعمالهم ممتلئ ، وبرامجهم ليس فيها متسع لشكوى مواطن !
والأمرعلى خلاف ذلك فالمسئولون وُجِدُوا لنا لا لغيرنا ، وما وُلُّوا علينا إلا لرعايةمصالحنا والقيام بشؤون حياتنا وإصلاح أمور ديننا ودنيانا ، وسماعهم لشكوانا واجبولكنَّ إسماعهم الشكوى أوجب ، فلا خير فيهم ما لم يسمعوا ولا خير فينا ما لم نسمعهم.
خشية الناس على أرزاقهم وآجالهم
[b] يمتنعكثير من الناس عن إسداء النصيحة وتوجيه النقد خشية على أرزاقهم وآجالهم ، وكأنهميتعاملون مع فرعون الذي لا رأي للناس إلا رأيه ولا كلام لهم إلا كلامه ، ويوصيبعضهم بعضاً بأن يسلك الواحد طريق رغيف الخبز المغمس بالذل والمهانة ، ويوهنون منعزائم بعضهم البعض بأن لكم أهلاً وعيالاً .
فإذانصحنا أو انتقدنا غضب علينا المسئولون وانتقموا منا فحاربونا في أرزاقنا وأسكنوناالهم والغم مما يقصر أعمارنا ، ثم ماذا عساها أن تفعل كلمتنا أو نصيحتنا ؟ فالخرققد اتسع على الراقع ، ونخشى أن تصيبنا دائرة ، "فلنمشِ الحيط الحيط ولنقل :يا رب الستر" .
وينسىهؤلاء في زحمة الخوف على الأرزاق أن الله هو -وحده- الرزاق ذو القوة المتين ، وَإِنَّنَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، وَلِكُلِّأُمَّةٍأَجَلٌفَإِذَاجَاءأَجَلُهُمْلاَيَسْتَأْخِرُونَسَاعَةًوَلاَيَسْتَقْدِمُونَ، وَمَاكَانَ لِنَفْسٍأَنْتَمُوتَإِلاَّبِإِذْنِاللهكِتَابًامُّؤَجَّلاً.
فالناسلا يملكون لنا ضراً ولا نفعاً ، ورزقنا ليس في الأرض فيتحكم فيه بشر بل وَفِيالسَّمَاءرِزْقُكُمْوَمَاتُوعَدُونَ ، وكذلك المحي والمميت هوالله رب العالمين لا غيره ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة والنقدالبَنَّاء كل هذا لا يقصر العمر !
وفيالختام :
إنالأخطاء التي نراها لا يمكن لها أن تتغير ما دام الكم الأكبر منا أَصَمَّوأَبَكَمَ نفسَهُ بنفسه ، وجعل لنفسه أعذاراً واهية مصطنعة يبرر بها تقصيره وخورهوعجزه وكسله عن إسداء النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إننصيحة المسئولين تجعل الواحد منا –ربما- في حِلٍّ من تبعة المسئولية يوم القيامة ،كونه رأى الأمة بحاجة لنصيحة فما بذلها وبحاجة لإرشاد فما أسدى ، إن التبعة يومالقيامة ثقيلة وثقيلة جدًا ، والنصيحة لا تقصر العمر ولا تقطع الرزق ، فالأعماروالأرزاق بيد الله تعالى .
ومالم نتقدم فننصح ، فلن يتغير شيء ، وما دمنا صامتين ساكتين فلا يحقُّ لنا بحالٍأبداً أن نتغنى بسوءِ الحالِ في البلد ، وممَّا يقال : السكوت غالباً علامة الرضا.
وصَلِّ اللهمَّ وسلِّم على سيدنا محمدوعلى آله الطاهرين الطيبين ، والحمد لله رب العالمين[/b][/b][/b][b][/b]

بارك الله فيك
يعطيك الف عافية

خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة؛ يقول ابن رجب -رحمه الله-: "ومن أنواع النصح لعامة المسلمين: دفع الأذى والمكروه عنهم، وإيثار فقيرهم، وتعليم جاهلهم، ورد مّنْ زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ محبةً لإزالة فسادهم، ولو بحصول ضرر له في دنياه؛ كما قال بعض السلف: "وددت أن الخَلق كلهم أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض". وقال آخر: "وددت أن الله -تعالى- يُطاع وأني عبد مملوك".
وكان عمر بن عبد العزيز يقول: "يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به، فكلما عملتُ فيكم بسنة وقع مني عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي".
وقال بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده، ويحببون عباد الله إلى الله، ويسعون في الأرض بالنصيحة".
وسُئل ابن المبارك: "أي الأعمال أفضل؟" قال: "النصح لله". انتهى بتصرف واختصار.