ملتقى لمسات للثقافة العامة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى لمسات للثقافة العامة

اهلا وسهلا بك يا (زائر) في (ملتقى لمسات للثقافة العامة) ,, نتمنى ان تقضي معنا وقتا طيبا
 
الرئيسيةmainfourmاليوميةالأحداثمدوناتس .و .جبحـثأحدث الصورالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
صقر العرب
وسام التميز
وسام التميز
صقر العرب


عدد المساهمات : 1287
نقاط العضو : 5009
تقييمات العضو : 9
تاريخ التسجيل : 02/08/2009
العمر : 49

ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها Empty
مُساهمةموضوع: ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها   ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها Emptyالسبت فبراير 13, 2010 6:18 am


ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها


الحمد لله الذي خصَّ مَن استقام بكثيرٍ من الخيرات، وأعْظم ذلك قولُه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]، فما أعظمَه من فضلٍ! وما أشرفها من منزلة! وكفى بها مبتغى، ثمَّ الصَّلاة والسَّلام على خير الورى، خير مَن استقام وبها أمر، فقال: ((قُلْ: آمَنْتُ بِالله، ثُمَّ اسْتَقِمْ)).

وما أحوجَنَا للاستِقامة! خاصَّة بعد اهتِزاز ثوابت الاستِقامة عند البعض، فمِنَّا مَن يحتاج إلى استِقامة، ومنَّا مَن يحتاج إلى تجْديد الاستِقامة، ومتابعة النَّفس من زيغِها وتهاوُنِها وتساهلها، ولكَم بكى بعدما حكى زمانُنا اليوم نماذجَ ممَّن زاغت قلوبهم، فانتكسوا بعدما استقاموا، وحاروا بعدما كاروا، فنسألُ الله الثَّبات والسَّداد والزيادة، ونعوذ به من الحوْر بعد الكوْر، والنكوص بعد الاستقامة، وضمْن جولتِنا في التَّعليق على "صحيح مسلم" اخترت لك - أخي الحبيب - هذا الحديث، وفيه شيء من مباحث الاستِقامة، فإليك رعاك الله:
عنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدالله الثَّقَفيِّ - رضي الله عنْه - قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلاً، لا أسْأَلُ عَنْهُ أحدًا بَعْدَكَ - وفي حَديثِ أبي أُسامَةَ: غَيْرَك - قالَ: ((قُلْ: آمَنْتُ بالله، ثُمَّ اسْتَقِمْ)).

أوَّلاً: تَّخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم في "كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام"، حديث (38)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في "كتاب الزهد، باب ما جاء في حفظ اللسان"، حديث (2410)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب الفتن، باب كفّ اللّسان في الفتنة"، حديث (3972).

ثانيًا: شرح ألفاظ الحديث:
(قَوْلاً لا أسْأَلُ عَنْهُ أحدا بَعْدَكَ)؛ أي: قولاً لا أَحتاج إلى أحدٍ بعدَك يفسِّرُه لي، فأعمل بما تقول وأكتفي به.

ثالثًا: من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليلٌ على حرص الصَّحابة - رضْوان الله عليْهم - على العلم وسؤال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن أهمّ الأعمال وأحكمها، وعلى تعلُّم الدين.
الفائدة الثَّانية: حديث الباب من جوامع الكلِم التي أُوتيها النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففي هذيْن الأمرين جَمع النبيُّ الدين كلَّه؛ ولذا بوَّب النَّووي عليه بـ "باب جامع أوْصاف الإسلام"، فالحديث شمل عمَل القلب وهو الإيمان، وعملَ الجوارح وهي الاستقامة، فهو شامل للظَّاهر والباطِن.
الفائدة الثَّالثة: الحديث دليلٌ على أنَّ جماع الخير في الاستقامة بعد الإيمان، ولأنَّ شأنَها عظيم أرشد النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لها حينما سأله عن شيء جامع، وجواب النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الموافق لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13].

ويتلخَّص الحديث عن الاستِقامة في المباحث الآتية:
معنى الاستِقامة:
معنى الاستقامة لغة: مصْدر "استقام"، مأخوذة من مادَّة (ق و م)، الَّتي تدلُّ على معنَيين، أحدُهُما: جماعة من النَّاس، والآخَر: اعتدال أو حزم، والمعنى الثَّاني هو المراد.
انظر: "لسان العرب" مادة (قوم).

وأمَّا في الشَّرع، فمِن أفضل التَّعريفات ما ذكره ابن رجب - رحمه الله - بقوله: "الاستقامة: هي سلوك الطريق المستقيم، وهو الدّين القويم من غير تعويج عنه يَمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطَّاعات كلّها الظَّاهرة والباطنة، وترْك المنهيَّات كلّها كذلك".
انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب ص (193).

وتنوَّعت أقوال السَّلف وتعدَّدت في مفهوم الاستِقامة، وبالجملة ترجع إلى ما ذكره ابنُ رجب - رحمه الله - وأنَّها تعني التمسُّك بالدين كلِّه والثَّبات عليه؛ ولذا يقول ابن القيِّم - رحِمه الله -: "فالاستقامة كلِمة جامعة، آخِذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدَي الله على حقيقة الصِّدْق والوفاء".
انظر: "تهذيب مدارج السَّالكين" ص (529).

جماع الخير في الاستقامة وهي طريق النجاة:
دلَّ على ذلك حديثُ الباب حديث سفيان بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلاً، لا أسْأَلُ عَنْهُ أَحدًا بَعْدَك، قال: ((قُلْ: آمَنْتُ بِالله، ثمَّ اسْتَقِمْ)).

فلمَّا كان شأن الاستقامة عظيمًا وهي أيضًا عزيزةٌ، أرْشد إليها النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد الإيمان، فمن النَّاس مَن يأتي بالإيمان اعتِقادًا وقولاً وعملاً لكنَّه يعوجُّ في طريقه ويقصِّر في عمله، والاستقامة هي الثَّبات على طريق الحقّ والاستمساك به، فهي طريق النَّجاة؛ ولذا أمر الله - عزَّ وجلَّ - بها ورتَّب عليها فضائل عدَّة، كما سيأتي.

الاستقامة تكون في النيَّات والأقوال والأعمال:
فمَن زعم أنَّه استقام على شرْع الله - تعالى - وظاهره يخالف ذلك، وتراه ربَّما يشير إلى صدْرِه ويقول: "التقوى هاهنا"، فزعمه باطل ودعواه كاذبة، فاستِقامة القلب تنقاد إليها الجوارح، فهي امتِحانه ودليله، وكما قال الشَّاعر:
إن ما تدعيه حقًّا كذَّبته شواهد الامتحان وكذا مَن استقام ظاهرُه ولم يستقم قلبُه، فاستقامته مخرومة، فليست هي الاستِقامة التي يريدها الله تعالى، فمَن عمر قلبه بفتن الشهوات وساء عمله، حمل قلبًا مسودًّا أو قلبًا قليل التعلق بربه ومهابته وخشيته، وإجلاله وتعظيمه والتقرب إليه بالعبادات القلبيَّة، فأنَّى لقلبِه استقامة؟!

وغالبًا ما يُظهر ما في القلْب اللسانُ، فتجده معبِّرًا عمَّا فيه، فمَن ساء قوله فكان كذَّابًا أو مغتابًا، أو نَمَّامًا أو فاحشًا بذيئًا، ونحو ذلك من آفات اللسان، فأي لسان استقام معه؟!

ولذا؛ فإنَّ الاستقامة تكون بالقلْب واللِّسان والجوارِح.

يقول ابن القيم - رحِمه الله -: "والاستِقامة تتعلَّق بالأقوال والأفعال والأحْوال والنِّيَّات، فالاستقامة فيها وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله.

قال بعضهم: كن صاحب الاستِقامة لا طالب الكرامة، فإنَّ نفسك متحرِّكة في طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستِقامة، فالاستقامة للحال بمنزلة الرُّوح من البدن، فكما أنَّ البدن إذا خلا عن الرّوح فهو ميت، فكذلك إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد ... وسمعتُ شيخ الإسلام ابنَ تيمية - قدس الله روحه - يقول: أعظمُ الكرامة لزوم الاستِقامة".
انظر: "مدارج السَّالكين" (2 /103)، وانظر تهذيبه ص (529).

ويقول ابن رجب - رحمه الله -: "أصل الاستِقامة استقامة القلْب على التَّوحيد ... فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبَّته وإرادته، ورجائه ودعائه والتوكُّل عليه والإعراض عمَّا سواه - استقامت الجوارح كلّها على طاعته، فإنَّ القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده؛ فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح: اللِّسان؛ فإنَّه ترجمان القلب والمعبِّر عنه".
انظر: "جامع العلوم والحكم" (193) بتصرّف يسير.

فيا الله! كم تحتاج قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا من مراجعة في استقامتها؟!

ليس مفهوم الاستِقامة عدم الوقوع في الذَّنب.

بل لا بدَّ من الذنب؛ ففي حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((كلّ ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التَّوَّابون))؛ رواه أحمد والترمذي.

والله - عزَّ وجلَّ - أمر مع الاستِقامة بالاستغفار من الذَّنب؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ الاستقامة قد يقع فيها خلل، وهذا أمر وارد ويُجبر بالاستغفار؛ فقال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6].

قال ابن رجب - رحمه الله -: "وفي قوله - عزَّ وجلَّ -: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} إشارة إلى أنَّه لا بدَّ من تقصير في الاستِقامة المأمور بها، فيُجبَر ذلك بالاستِغفار المقتضي للتَّوبة والرّجوع إلى الاستقامة، فهو كقوْل النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لمعاذ - رضِي الله عنْه -: ((اتَّق الله حيثما كنت، وأتْبِع السيِّئة الحسنة تمحُها))، وقد أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الناس لن يطيقوا الاستِقامة حقَّ الاستقامة، فقال - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصَّلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن))، وفي رواية للإمام أحمد - رحِمه الله -: ((سدِّدوا وقاربوا، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن))، وفي الصَّحيحَين: ((سدِّدوا وقاربوا))، فالسَّداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد ... والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مصمِّمًا على قصد السداد وإصابة الغرض".
انظر: "جامع العلوم والحكم" (1 /510) بتحقيق الأرناؤوط.

أمر الله - عزَّ وجلَّ - بالاستِقامة وحثَّ عليْها في عدَّة آيات، منها:
• قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
• وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13، 14].
• وقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7].
• وقوله تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6].
• وقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112].
• وقوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [يونس: 89].
• وقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [الشورى: 15]، وغيرها من الآيات الَّتي فيها الحثُّ على سلوك الصِّراط المستقيم، وهي كثيرة.

مِن ثمرات الاستِقامة:
مَن تأمل الآيات السَّابقة عرف أنَّ للاستِقامة ثمراتٍ عديدةً، منها:
1- تتنزَّل على أهل الاستِقامة السكينة؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30]، فالملائكة تتنزَّل عليهم بالسُّرور والحبور والبشرى في مواطن عصيبة، قال وكيع: "البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث".
انظر: تفسير القرطبي عند هذه الآية، وكذا "فتح القدير" للشوكاني.
2- الطُّمَأنينة والسَّكينة؛ حيثُ قال تعالى: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}؛ أي: لا تخافوا ممَّا تقدَمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتَكم من أمور الدنيا، وقال عطاء - رحِمه الله -: "لا تخافوا ردَّ ثوابِكم فإنَّه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنِّي أغفِرُها لكم".
انظر المرجعَين السَّابقين.
3- البشرى بالجنَّة؛ فقال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، وهذا هو الهدَف الذي ينشدُه كلُّ مسلم، نسأل الله من واسِع فضله.
4- سَعة الرزق في الدُّنيا؛ قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن: 16]؛ أي: كثيرًا، والمراد بذلك سعة الرِّزق، وكما قال عمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْه: "أيْنما كان الماء كان المال".
انظر تفسير القرطبي على هذه الآية.
5- الانشراح في الصدر والحياة الطيبة؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، ومن جاء بالاستقامة فقد عمِل أحسن العمل فاستحقَّ الحياة الطيّبة الهنيَّة.

سبُل تحقيق الاستِقامة والمحافظة عليْها:
للاستقامة والثبات عليها عدَّة مقوّيات ومغذّيات، منها:
1- فعل الطَّاعات والاجتِهاد فيها ومُجاهدة النَّفس عليْها:
ومن الأصول العقديَّة في مذهب أهل السنَّة والجماعة: أنَّ الإيمان يزيد بالطَّاعة وينقص بالمعصية، والأدلَّة على هذا الأصل كثيرة مستفيضة، وأهمّ ما يحافظ عليه العبد الصَّلوات الخمس وكذلك بقيَّة الفرائض، ويستزيد من النَّوافل ويكثر منها، وفي الحديث القدسي حديثِ أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - مرفوعًا: قال الله - عزَّ وجلَّ -: ((وما تقرَّب إليَّ عبْدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُه عليْه، ومازال يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمْعَه الَّذي يسمع به، وبصرَه الَّذي يبصر به، ويدَه الَّتي يبطِش بها، ورجْله الَّتي يَمشي بها))؛ رواه البُخاري.

فيحفظ الله - عزَّ وجلَّ - جوارحَه فلا يصدر منْها إلاَّ ما يُرْضيه - سبحانه - وبهذا يكون حقَّق الاستِقامة.

2- الاشتِغال بالعِلْم الشَّرعي وطلبه:
قال ابن القيم - رحمه الله -: "به يُعرَف الله ويُعبد، ويُذكر ويُوحَّد، ويُحمد ويُمجَّد، وبه اهتدى إليه السَّالكون، ومن طريقِه وصل إليه الواصِلون، ومن بابه دخل القاصرون".
انظر: "تهذيب مدارج السَّالكين" (484).

3- الإخلاص في العلم والعمل:
فلا بدَّ من مجاهدة النَّفس على الإخلاص؛ فهو روح كل عبادة، وبه تستقيم النفس وتصدق مع الله في الأقوال والأعمال؛ قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30].

4- الدُّعاء:
من مقويات الإيمان دعاء الله تعالى تحقيق الاستقامة والثبات عليها كما كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأل ربَّه الثَّبات على الدين، وقد أمرنا بقراءة الفاتحة في كلِّ ركعة، وفيها نسأل الله - تعالى - فنقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6، 7]، فندعو الله تعالى؛ لأنَّ الاستقامة والثبات عليْها بيد الله - تعالى - حيث قال: {مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39].

5- الإكثار من قراءة القرآن:
ومحاولة حفْظِه أو ما تيسَّر منه، وكذلك تدبُّره والعمل به من أهم الأمور في تحقيق الاستقامة؛ فقد جعله الله تعالى سبيلا لِمن أراد الاستقامة؛ فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28]، وقال: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء: 9]، وعلى العبد ألاَّ يترُك ملازمة القرآن سواء من حفْظِه أو من تلاوتِه، تلاوة نظر؛ فمع تدبُّره ينال العبد نصيبًا من زيادة الإيمان الَّذي هو سبب كلِّ استقامة.

6- الصّحبة الصالحة:
لأنَّ صحبة البطَّالين وأهل المعاصي تضعف الاستقامة، تأمَّل كيف أنَّ الله - تعالى - بعد أن أمر بالاستِقامة حذَّر من الركون إلى أهل المعاصي؛ لأنَّ هذا يؤثر على الاستِقامة، فقال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 112، 113].
قال أهل العلم: أي: لا تَميلوا إلى العصاة.

7- التوسط والاعتدال:
لا إفراط وغلو وتشديد؛ فإنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لن يشادّ الدين أحد إلا غلبه))؛ متَّفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هلك المتنطِّعون)) - أي: المتشدِّدون - قالها ثلاثًا، والحديث رواه مسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اكلفوا من الأعمال ما تطيقون))؛ رواه البخاري، وأيضًا لا تفريط باتباع الرُّخص والهوى في الفتاوى ونحوها، ولكن الوسط في ذلك وهو اتباع سنَّة النبي - عليْه الصَّلاة والسَّلام.

وهناك مقويات أخرى للإيمان، كالإكثار من ذكر الله تعالى، وذكر الموت، والحرص على سلامة القلب، ومجاهدة النفس والهوى والشيطان، بالابتِعاد عن الفتن ومواطن الغفلة، والخوف والحذَر من سوء الخاتمة، وتجديد التَّوبة والإنابة لله تعالى.

من معوقات الاستقامة:
فكما أن للاستقامة مغذّيات ومقوّيات فإنَّ لها معوقاتٍ؛ فإنَّ عكس ما تقدم من المغذيات تكون معوّقات للاستقامة، فإهْمال الطَّاعات والتقلُّل منها، وترك مجالس العلم والذِّكْر، وعدم مجاهدة النَّفس على الإخلاص، وترك الدّعاء وقراءة القرآن، ومصاحبة أهل المعاصي وتتبُّع الرخص أو الغلوّ في الدين، وكذلك التعرُّض للفتن والشهوات وأماكن الغفلات - كل هذه وغيرها ممَّا تضعف الاستقامة، ويُضاف إليْها أيضًا:
1- الاستهانة بالمعصية:
فإذا كان العبد ممَّن يستهين بالمعاصي وفي الخلوات مع الشَّهوات، كان ذلك سببًا في مرَض قلبِه وبُعْده عن ربّه، وفي مسند الإمام أحْمد قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إيَّاكم ومحقّرات الذنوب؛ فإنَّهنَّ يجتمِعْن على الرجُل حتَّى يهلكْنَه)).
انظر: "صحيح الجامع" (2687).

وقد تكلَّم عن ذلك وأجاد طبيب القلوب ابن القيم في ذِكْر آثار المعاصي، فيحسن الرُّجوع إلى كلامه الشَّافي في كتابه "الجواب الكافي".
انظر: "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" ص (106).

2- الانشِغال بالدنيا عن الآخرة:
قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما الفقرَ أخشى عليْكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدُّنيا عليْكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهْلِككم كما أهلكتْهم))؛ متَّفق عليه.
وكذلك التوسُّع في المباحات يضْعف القلب ويجرُّ إلى التَّقْصير في الواجبات.

3- الوسط السيئ:
فالوسط السيِّئ، سواء كان في الصحبة أو الوظيفة أو الأسرة أو المجتمع بشكل عامّ، ممَّا يضعف الاستقامة، وتقدَّم قول الله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 13].

أسأل الله أن يرزُقَنا إيمانًا صادقًا واستِقامة ثابتة على طاعتِه، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليْه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المهاجر
Admin
المهاجر


عدد المساهمات : 3264
نقاط العضو : 7684
تقييمات العضو : 27
تاريخ التسجيل : 30/07/2009
العمر : 49

ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها   ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها Emptyالسبت سبتمبر 18, 2010 12:46 am

أسأل الله أن يرزُقَنا إيمانًا صادقًا واستِقامة ثابتة على طاعتِه، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليْه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moftah.mam9.com
بسمة الحياة
قريب من الاشراف
قريب من الاشراف
بسمة الحياة


عدد المساهمات : 1063
نقاط العضو : 1422
تقييمات العضو : 6
تاريخ التسجيل : 22/05/2010
العمر : 33

ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها   ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها Emptyالسبت سبتمبر 18, 2010 4:34 pm

اللهم آمين
بارك الله فيك اخى ونفع بك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جولة في الصحافة ... اخر اخبار الصحف
» جولة سياحية في محافظة الأحساء السعودية
» رسالة من يهودي الى مسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى لمسات للثقافة العامة :: الزاوية الدينية :: مباحث في الحديث الشريف وعلومه-
انتقل الى: