لماذا يلهث عباس وراء المصالحة
يوجد أسئلة تثير الاستغراب حول موضوع المصالحة الفلسطينية، بالذات فيما يتعلق بموقف السيد عباس من الاتفاق مع حركة حماس، إذ من المعلوم جيداً موقفه من موضوع المصالحة بعد الانقسام، حيث صرح في أكثر من مرة أنه لا حوار مع القتلة، ولا اتفاق مع الإمارة الظلامية.
فما الذي جعله الآن يستجيب لجهود المصالحة التي تقودها مصر، بل لا أبالغ إذا قلت أنه بات يلهث من أجل توقيع اتفاق المصالحة مع حركة حماس بأي ثمن.
وهو من عمل على ترسيخ الانقسام واقعاً على الأرض بعدما انقلب على نتائج الانتخابات الأخيرة بتشكيله حكومة غير شرعية برئاسة سلام فياض في رام الله، عدا عن إغلاقه للمؤسسات والجمعيات الخيرية، وتغيير مجالس البلديات المنتخبة في مدن وقرى الضفة، وحملة الاعتقالات المسعورة التي لا زالت مستمرة وطالت جميع من يناصر حركة حماس.
فهل عاد عباس إلى رشده؟ واعترف بخطأ مواقفه السابقة من المصالحة والشراكة والاتفاق مع حركة حماس؟ بالتأكيد لا...
لكن ما يذهب إليه عباس اليوم من الإصرار على توقيع الاتفاق جاء لعدة أسباب، أبرزها الوعود والتطمينات التي تلقاها من دول عربية وأجنبية بضرورة توقيع الاتفاق مع حركة حماس للوصول إلى الانتخابات التي ستأتي به بمختلف الطرق بديلا عن حماس، وحينها يتمكن من إدارة الدفة وفقاً لأجندته الخاصة والتي أهمها تنفيذ نفس السياسة المتبعة مع حركة حماس في الضفة الغربية في قطاع غزة، والمبررات جاهزة، والغطاء الشرعي سيدها.
وسبب آخر وراء موقف السيد عباس من موضوع المصالحة، هي التقارير المرفوعة إليه من دوائر مختلفة من حركة فتح مفادها أن شعبية حركة حماس في تراجع كبير لصالح حركة فتح، وهو ما يشجع على إجراء الانتخابات بأي ثمن من أجل سحب البساط من تحت أقدام حركة حماس بطريقة ديمقراطية، خاصة بعد فشل مختلف الوسائل والطرق التي اتبعها مثل التمرد والعصيان والاستنكاف، وإثارة القلاقل، والتحريض وغيرها من الأساليب المعروفة.
مما سبق يتضح بشكل قاطع أن السيد عباس بصفته ممثلاً لحركة فتح لا يسعى إلى المصالحة الحقيقية والشراكة الفعلية مع حركة حماس، وإلا لكان فعلها بعد فوز الحركة في الانتخابات الأخيرة.
لذا لا بد من التأكيد أن أي اتفاق يفضي إلى انتخابات مباشرة يعتبر خطأ من قبل حركة حماس، وخطيئة بحق إرادة الناخب الفلسطيني الحقيقية. فكيف يتم فتح صندوق الاقتراع لناخب ليختار بين مصلحته وقناعته، بين قوت يومه ورغبته.
بالتأكيد هذا لم يحدث في أي بقعة من الأرض، وهذه سياسة مكشوفة لسحب الشرعية من الحركة بالقهر والمساومة والتهديد والتزوير.
من هنا إذا كان هناك حديث جدي عن اتفاق ومصالحة يجب أن يتبعه رفع الحصار عن قطاع غزة من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تستمر بأعمالها لمدة عام على أقل تقدير، لتعود حياة المواطن إلى وضعها الطبيعي، ثم نذهب إلى انتخابات نزيهة وشفافة يختار من خلالها كل مواطن قناعاته الحقيقية دون أي مؤثرات قهرية تجبره على تغيير قناعاته واختيار مصالحه, حينها فقط يمكن الحديث عن مصالحة جدية بين فتح وحماس.