السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أحمد الله تبارك وتعالى أن يسر التواصل بين المسلمين عبر المواقع الإسلامية العاملة على خدمة أبناء أمتها، وأهلا ومرحبا بكِ على صفحات موقع الإسلام اليوم أمـا بعـد: أختي السائلة الصبورة: كان الأولى أن يكون المخاطب بجوابنا هو زوجك، وليس أنتِ؛ فأنتِ كما تبين لي من رسالتك قد فهمت كل الأمور تقريبا، ولكن على كل حال أتمنى أن تصل هذه الرسالة بأكملها لزوجك. وأنا معكِ أختي الطيبة في تصور ما تمرين به من حالة شديدة من القلق والتوتر، فكثرة كلام الناس حولك، وضغط أهل الزوج على الزوج في هذا الموضوع أمر عصيب حقيقة. وإجابتي إليكِ عن عناصر منها: مسألة تأخر الإنجاب، وعلاقة زوجك بأهله، وبقاؤكما ببيت أهل زوجك، والعلاقة معهم، ثم أوجه رسائل لأطراف عدة، وأختتم رسالتي إليكِ بنصائح عملية. ولكن اعلمي أن لتأخر الإنجاب فوائد، ولا داعي للقلق، ويا ليت زوجك يعي ذلك ويعلمه: أولاً: من فوائد تأخر الإنجاب، ولو طالت المدة، فهو بمثابة نضج في معاملة الطفل بعد مجيئه، فتعاملكما مع طفل أتى بعد فترة كبيرة من الزواج يختلف تماما عن معاملة طفل أتى بعد الزواج مباشرة وأعني بذلك: الشوق للطفل والفرحة به. ثانيـاً: إدراك قيمة الأبناء، ومعرفة قيمة الطفل، وإحسان تربيته. ثالثـاً: قوة العلاقة بالله، ألا تنظري أختاه إلى حالك وحال زوجك لما تأخر الإنجاب ازدادت العلاقة بينكما وبين الله والتقرب إليه؟ أختي الفاضلة: إن من أبسط حقوق الزوجة على زوجها: عشرتها بالمعروف واحترامها وعدم إهانتها. وإن مسألة الزواج ببيت العائلة مسألة عويصة –بالفعل– فكثيرا ما تحدث المشاكل بسبب ذلك، وذلك لأن كلا من الأم والزوجة (كلاهما) يعتقد أن الزوج صار مملوكا لأيهما، وكأنه صار مملوكا بعقد تمليك، فتعتقد الأم –أم الزوج– أن زوجة ابنه قد خطفته منها، وهكذا تسير كثير من البيوت –إلا من رحم الله تبارك وتعالى-. وعلى الزوج أن يلاحظ أن من اشترط على نفسه شرطا ليوف به، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "المسلمون على شروطهم" رواه أبو داود. وبالنسبة لمسألة الطلاق: فإنه ليس جائز شرعا أن يلبي الزوج رغبة والديه بطلاق زوجته، إلا أن تكون هناك أسباب شرعية تدعو لذلك، كوقوعها في معصية أو تركها لواجب ما. ومسألة تأخر الإنجاب ليست بيدك، فذلك أمر قدري أراده صاحب القضاء والقدر، فهل سيحاسبون صاحب الملك في معاقبتك بالطلاق والتفريق والهجران؟!. وأنقل إليكِ معنى فتوى أصدرتها اللجنة الدائمة بالسعودية ودار الإفتاء المصرية في مثل هذه المسألة: "بأنه يجب على الزوج في مثل هذه الحالة أن يحسن معاملة أهله ويبرهما قولا وفعلا، لكن إذا كانت زوجته مرضية في دينها وخلقها، فلا يجوز ولا يجب عليه تطليقها، ولا يعد ذلك عقوقا من الابن لأبيه كما يتصور الناس". أيتها الأخت الصابرة: إليكِ عدة رسائل أوجهها للأطراف الآتية: الرسالة الأولى: إلى الزوج التائه الحيران الذي احتار بين أهله وزوجته، أيها الزوج لم هذه الحيرة؟! والمسألة بسيطة، والشرع هو الحل في كل مسائل الحياة. فلماذا البعد عنه؟ الزم زوجتك واصبر ما دامت صاحبة خلق وملتزمة، وكذلك حسيبة ونسيبة، فاصبر واحتسب والله سيعوضك. ويجب أن تثق أيها الزوج في أن كل ما يقدره الله للإنسان هو خير، والإيمان بالقضاء جزء من عقيدتك كمسلم، وهو أول خطوة –تلك الثقة– في طريق الوصول نحو الهدف الذي ترجوه (الإنجاب) وإن لم يأتِ. ولم؟! لأن التوتر الناشيء من الاستعجال للأمور هو أول ثمرة –كما يقول الأطباء– تتعثر بها الزوجة أمام الإنجاب لأنه يؤثر على وظائف الجسم كلها. الرسالة الثانية: للأب والأم وأهل الزوج جميعا، اتقوا الله في أنفسكم وولدكم ولا تفرقوا بينه وبين زوجته فيقع إفساد في الأرض كبير، وذلك قطع للرحم وإفساد للبيوت، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ". وأقول لأهل الزوج: تخيلوا لو أن هذه الزوجة كانت ابنتكم، وتأخر إنجابها، وفي بيت غربة ماذا تفعلون؟! فاتقوا الله. الرسالة الثالثة: لأهل الزوجة (أهلك أنتِ يا أختاه) لا تأخذهم الغيرة عليكِ أو الكبرياء بسرعة طلب الطلاق، بل الأولى أن يساعدوكِ على الصبر والتحمل. ويجب عليكِ أختي السائلة إذا تأخر الإنجاب إلى هذا الحد فتأكدوا أن التقدم العلمي والطبي تطور تطورا هائلا في هذه المسألة بما يدفع في النفس الأمل والتفاؤل. وأما العنصر الأخير في جوابي عليكِ: نصائح أوجهها إليكِ أيتها الأخت الكريمة أنتِ يا صاحبة القلب الصابر، ويا محتسبة الأجر عند الله، الذي تجتمع عنده الخصوم. أيتها الأخت الكريمة: أهمس في أذنيكِ بألا تأخذي كل كلمة تقال على أنها تلميح على ظروف تأخير الحمل؛ لأن ذلك سيزيد الأمر تعقيدا، فلا داعي أن تقلقي نفسك بما يضعف احتمال الإنجاب بنسبة 90 % بما أكده الباحثون والأطباء في هذا الشأن. النصائح: أولاً: الاستغفار والدعاء ليست نصيحة عظيمة وإن كان الوعظ ضروريا، ولكنها يا أختاه حقيقة واقعية وقرآنية، وكذا طبية ينصح بها الأطباء، حيث قال الله سبحانه وتعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُـم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَـارًا". ثانيـاً: لا تعتبري تأخر الحمل غضبًا أو بلاء، ولكن اعتبريه ابتلاء من الله لكِ لماذا؟! ليسمع صوتك ودعاءك ونداءك إياه، وزيدي من الطاعات واللجوء إليه سبحانه وتعالى. ثالثـاً: التسلية بقصص الأنبياء، وخاصة من تأخرت ذريته كمثل سيدنا إبراهيم الخليل، والذي بقيت زوجته سنين بلا إنجاب، فلما صبر واحتسب وتحمل رزقه الله تبارك وتعالى نتيجة صبره ذرية صالحة وكان معظمهم أنبياء. رابعـاً: أدخلي وسيطا في الموضوع بين زوجك وأهله يذكرهم بالله تعالى والتقوى والخشية، ويذكرهم بالقضاء والقدر، ويذكرهم بأنه كما يدين الإنسان يدان. خامسـاً: لا مانع أن تتابعي مع طبيب فيما ابتكر من وسائل في موضوع التلقيح والإنجاب، وأقنعي زوجك بذلك. سادسـاً: كذلك أنصحكِ بأن تبحثي عن المسجد الذي يصلي فيه زوجك وخاصة صلاة الجمعة، ثم تتحدثي مع خطيب المسجد بالموضوع أو أطراف منه يستطيع الحديث من خلاله في خطبة الجمعة، وتعلمين أن زوجك سيكون حاضرا في الخطبة، يتحدث الخطيب بالتلميح عن موضوع شبيه وبه نفس الحكاية، ويحكي الحل والجواب والنظرة الشرعية لمثل هذه المسائل وينصح في الحوار. كما جـاء في الحديث الذي روي عن رسـول الله -صلى الله عليه وسلـم-: "الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". سابعـاً: وأخيراً لا عليكِ بما يحدث من حولك، ولا عليكِ إن حدث مكروه لا ترغبين فيه على أي حال (سواء كان انفصالا أو غيره) فرزقكِ محفوظ في لوح محفوظ وسيأتيكِ حتما، وسيرضيكِ ربك بصبرك لا محالة فالله، يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، ويعطيهم أفضل ما يعطي السائلين. ولا يسعني في ختام الرسالة سوى أن أدعو الله عز وجل أن يبارك لكما، وأن يرزقكما قريبا قريبا ذرية صالحة طائعة لربها ناصرة لدينها، وإن أراد الله تعالى في سابق علمه أنه لا إنجاب ولا أولاد أسأله سبحانه جلت قدره وظهرت حكمته أن يرضيكما بقضائه، ويعوضكما أفضل ما يعوض به المحتسبين. وفي الختام أيتها الأخت الكريمة كوني معنا على تواصل دائما على صفحة الاستشارات المتميزة بموقع الإسلام اليوم، والله سبحانه وتعالى أسأل أن يحفظكِ وبنات المسلمين من أي مكروه وسوء. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن والاه. والحمد لله رب العالمين. |