ملتقى لمسات للثقافة العامة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى لمسات للثقافة العامة

اهلا وسهلا بك يا (زائر) في (ملتقى لمسات للثقافة العامة) ,, نتمنى ان تقضي معنا وقتا طيبا
 
الرئيسيةmainfourmاليوميةالأحداثمدوناتس .و .جبحـثأحدث الصورالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 نساء فلسطينيات في الانتفاضة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:52 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نساء فلسطينيات في الانتفاضة  64861


نساء فلسطينيات في الانتفاضة 

تأليف: غسان دوعر

صحيفة القدس العربي

هذه دراسة ترصد مواقف الامهات اللواتي فقدن ابناءهن في عمليات استشهادية ومواقفهن وتحلل عبر درس مسحي مواقف النساء المدفوعة بالحماس والحس بالفقد والشعور الوطني واجواء الانتفاضة، وتستند على مواقف ووصايا الشهداء الذين قرروا القيام بعمليات استشهادية ضد الاحتلال الاسرائيلي. واهمية الدراسة تكمن في بعدها التوثيقي، اذ انها تقدم عددا من تمظهرات وردود الافعال بين الحزن والفجيعة والفخر، ولانها ترصد فصلا من تاريخ الانتفاضة الثانية، ومواقف النساء الفلسطينيات منها، حيث يطلق الشعب الفلسطيني على المرأة التي تفقد ابنا استشهاديا اسم الخنساء تيمنا بالشاعرة العربية المعروفة. 

مدرسة الحياة

في أجواء الاحتلال والخوف والقهر، تُختصر حياة الأمهات في صور أبنائهن، وتغدو المسيرة كلها محطات متلاحقة لأطفال يولدون، ثم يكبرون يوماً إثر يوم، والعين والقلب والروح تحرسهم من رحيل إلي رحيل، ومن مدرسة إلي أخري، ومن طرف إلي آخر. 

ولئن أحدثت انتفاضة الأقصي المبارك نقلة نوعية هائلة في الفكر والنفسية فقد شقت الأم الفلسطينية طريقها لتتبوأ مكانتها الرائدة كمكون أساسي من مكونات الجهاد والانتفاضة والمقاومة.

ولإدراك حقيقة الدور التربوي والأخلاقي للأم الفلسطينية، يمكن الإشارة إلي الأعداد الكبيرة من الشباب المتدين الطامح للجهاد والشهادة، المبادر للتضحية والفداء عن الأرض والعرض والمقدسات، المرتفع دوماً إلي مستوي التحدي، والجاهز للمقاومة والتصدي، وبقي علي عهده مع الله ووعده مع شعبه وأمته حتي فاز بالشهادة. وتظهر الكلمات الأخيرة لهؤلاء الشباب ووصاياهم التي خطوها أنهم يصنعون الحياة عبر بوابة الاستشهاد. 

وفي هذا السياق، يأتي الاستشهادي إسماعيل المعصوابي ليعكس في وصيته التي تفيض صدقاً وإيماناً توجهات جيل انتصر علي نفسه، وهانت عليه الدنيا، فجعل من جسده ودمائه جسراً للحرية والخلاص، فيتحدث بلهجة حازمة وواثقة قائلاً: إن حب الجهاد والاستشهاد قد ملك علي حياتي ونفسي ومشاعري وقلبي وأحاسيسي... وإنه من الصعب بمكان علي النفس التي تذوقت حلاوة الجهاد، واستعذبت المعاناة علي طريقه، وسعدت بتجرع الغصص علي جادته، أن تستريح إلا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

أما الاستشهادي نبيل فرج العرعير، الذي نفذ أول عملية استشهادية في انتفاضة الأقصي، فقد خط في وصيته قبيل انطلاقه: اسألك بالله يا أمي بأن تزغردي، نعم زغردي يا أمي، فان هذا اليوم يوم عرسي الذي كنت أتمناه منذ أن عرفت الشهادة في سبيل الله... أبي الحبيب: أوصيك بأن تكون أسعد الناس في عرسي هذا، وأن تقوم بالترحيب باخواني الذين يأتون إليك ليهنئوك بعرس ابنك نبيل الذي لم يمت، بل غادر إلي حياة جديدة مع الصديقين والنبيين والشهداء... عماتي الحبيبات: أسألكن بالله أن تكن بجوار أمي الحبيبة، أسألكن بالله أن تفرحن، وأن تزغردن وتوزعن الحلوي علي كل إنسان .

هذه النماذج الرائعة وغيرها مما حفل به التاريخ الفلسطيني الحديث، وراءهم أمهات عظيمات أرضعن أولادهن لبن الجهاد والمقاومة والوفاء للدين والوطن والمقدسات، وغرسن في نفوسهم المباديء والأخلاق السامية، وزرعن في كيانهم قيم الثبات والإخلاص والتضحية. 

وكانت رعاية الأبناء، وتربيتهم التربية الجهادية الحقة، وإرسالهم إلي ساحات الوغي وميادين القتال مع العدو الصهيوني، أحد الأدوار البارزة التي لعبتها الأم الفلسطينية إبان انتفاضة الأقصي المبارك. 

وظن الكل أن هذا أقصي ما يمكن أن تقدمه الأم الفلسطينية، أن ترسل ابنها لكي يقوم بعملية فدائية ويستشهد، ولكن العالم وقف مبهوراً أمام ظاهرة أم نضال فرحات وأم محمود العابد وأم محمد حلس وغيرهن ممن احتضنت ابنها، ورعت جهاده، وباركت سعيه، ووقفت تودعه بكل عظمة وجرأة وشموخ علي أعتاب تنفيذه العملية، دون أن يبدر عنها أي تردد أو يخالجها تراجع أو نكوص، بل قالت لابنها وهي تودعه: ها هو الموعد أزف، وأنا أنتظر أن تعود إليّ شهيداً . وبعد أن قبلته بحرارة ودعت له بالتوفيق، قالت أم نبيل لابنها الاستشهادي محمد أحمد حلس، وهي تحتضنه وتقبله: كن صامداً وصبوراً وصابراً، وجه سلاحك بدقة في وجه الأعداء... خذ أمتعتك ولا تترك للأعداء الفرصة لقتلك قبل أن تثأر منهم لأبناء شعبك وأهلك . وكذلك كان حال نعيمة العابد، والدة الشهيد محمود حسن العابد، التي ودعت ابنها، وتابعت الأخبار حتي تتأكد من نجاحه في اقتحام المستوطنة، وحين علمت باستشهاده وزعت الحلوي ودعت النسوة إلي عدم البكاء علي الشهيد.

خنساوات هذا الزمان

خنساوات بلا عدد يقدمهن هذا التاريخ الفلسطيني الجديد، ومع كل واحدة منهن تنبت حكاية من رحم الجرح؛ لكنها تتمدد علي نحو أروع في فضاء من البطولة لا ينتهي، فيما لا تعدم الخاتمة الكثير من الحزن والقهر الذي لا يفضي إلي اليأس، في وعي أمة تدرك أن الدنيا محطة للآخرة، وأن الآخرة خير وأبقي للذين يتقون وعلي ربهم يتوكلون. 
ولذلك، وقفت أم نضال فرحات تصرخ ببيان الفصحاء ودماء الشهداء وعزم المجاهدين، لتؤكد للعالم كله أن فلسطين، من البحر إلي النهر، حق لن يتنازل عنه شرفاء الأمة، حين قالت: لا توجد أم في الدنيا يهون عليها ابنها، ولكن في سبيل الله ثم تحرير الوطن ترخص كل الدنيا. إذا أنا منعت أبنائي من الجهاد، وهذه منعت، وتلك منعت، فمن الذي سيدافع عن الإسلام وفلسطين، ويحرر الأقصي .

ولعل الحياة التي تحياها الأم الفلسطينية تصعب الأمر علي الذي يحاول الكتابة في هذا الموضوع، فأي الكلمات ستعبر؟ ومن أين سنبدأ في الكتابة؟ فكلها محطات من الصعب المرور عليها مرور الكرام. 

ولربما الحزن في عيني أم صبحي، والدة الشهيدين والأسير لا يمكن وصفه، فكلمة الحمد لله التي خرجت منها ثم تبعتها دموعها، كانت كافية. فقد استشهد ابنها الأول صبحي أثناء تصديه لأحد الاجتياحات الصهيونية لمدينة رفح، وبعد فترة هدمت قوات الاحتلال منزلها في حي السلام علي الحدود الفلسطينية ـ المصرية، واعتقل في اليوم ذاته ابنها الأصغر سامي، ووجهت سلطات الاحتلال له تهمة الانتماء للمقاومة. ولم يتوقف سيل التضحية عند هذا الحد، فبعد فترة فقدت أم صبحي ابنها الثاني محمداً، وهو يؤدي واجبه الوطني بإسعاف المصابين. ولم يستطع جسم والد الشهيدين والأسير تحمل هذا كله، فوافته المنية بعد استشهاد محمد بأقل من شهر، لتبقي أم صبحي وحيدة في المنزل الذي استأجرته. 

جيني تونغ

حين قالت النائبة البريطانية عن حزب الأحرار جيني تونغ في اجتماع عقد بمجلس العموم: إنها لو كانت فلسطينية لسعت للانضمام إلي الفدائيات، فإنها لم تكن وحيدة في تفهمها لحقيقة التحدي الوجودي الذي يهدد الفلسطينيين. فقد كان هناك وعي بتلك الحقيقة بين بعض الإسرائيليين أنفسهم، ففي حديث أدلت به الكاتبة اليهودية إيلانا هوفمان للإذاعة الإسرائيلية، قالت: إنه من النفاق أن يدعي عدد من قادة الدولة استهجان أن تقوم أم فلسطينية بتنفيذ عملية ضد قواتنا. رغم أنه من الطبيعي أن يهب أي إنسان لقتل أولئك الذين يقتلونه، ويسلبونه الحق في العيش بكرامة، ولا يتغير الأمر كثيراً إذا كان الفاعل شاباً أو رجلاً أو طفلاً أو عجوزا، أو أماً ترعي أولادها .

لم تكن إيلانا هوفمان وحيدة في شعورها بالخطر من اتساع ظاهرة قيام الأمهات الفلسطينيات بإرسال ابنائهن لتنفيذ عمليات استشهادية، إذ ان قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية رفيعة المستوي شاركتها القلق من تنامي هذه الظاهرة. 

وواصلت وسائل الإعلام العبرية الكتابة حول ذلك، معتبرة أن ظاهرة الأمهات أوصلت رسالة كبيرة من الخوف والهلع إلي نفوس المجتمع الإسرائيلي ، علي حد تعبير الكاتب الاسرائيلي إيغال سيرنا الذي كان يعلق علي مشهد أم نضال فرحات، وأضاف سيرينا: إن ما قامت به أم فرحات ينذر بمستقبل سيء لإسرائيل. لأن من يشاهد هذه المرأة وهي تودع ابنها بكل هذا الحماس، يصل إلي قناعة مفادها أنه لا يمكن إخضاع الشعب الفلسطيني بالقوة مطلقاً . وأما الكاتب الصهيوني شاؤل بريمان، فقد كتب: إن ما تمثله هذه المرأة ينبغي أن يشعل الضوء الأحمر في دوائر صنع القرار الإسرائيلية. فهذا الحادث يدل علي أن معنويات الشعب الفلسطيني غير قابلة للتآكل . وأضافت امرأة إسرائيلية وقد تملكتها الدهشة والإعجاب في أم نضال فرحات: ما هذا الدين، وتلك العقيدة التي تدفع هذه المرأة لكي تسلك هذا السلوك؟! أحد ابنائي جندي يخدم في منطقة الخليل، لكني تمنيت لو أني لا أعيش في هم حتي آخر يوم في حياتي .

وتمضي صحيفة يديعوت أحرونوت ، فتقول: 120 استشهادياً واستشهادية لا يشكلون ظاهرة هامشية، بل يعكسون نموذجاً اجتماعياً يجسد الثقافة الفلسطينية الجديدة، إنها ظاهرة تحظي بتأييد الشارع الفلسطيني وقياسه ليس في استطلاعات الرأي فحسب، وإنما عبر مظاهر الفرح التي تلي كل عملية، وفي جنازات الاستشهاديين، وفي صورهم المعلقة في كل زاوية بالشوارع، وفي الأغاني التي تمجدهم. وتنعكس تعابير هذه الثقافة أيضاً، في المؤتمرات، وفي المسيرات التي يشارك فيها عشرات لابسي الأكفان الذين يعلنون: نحن اللاحقون. وكذلك في المدارس، وفي المخيمات الصيفية التي تقام في مناطق السلطة الفلسطينية. وخلال الشهرين الأخيرين، انضمت إلي مجموعة المشجعين أمهات الشهداء أيضاً، إذ يزداد عدد الأمهات اللواتي يتصورن مع أولادهن قبل خروجهم لتنفيذ العمليات، فيشجعنهم ويباركن طريقهم. فيوم السبت الماضي، وقبل خروج محمود العابد من بيته في حي الشيخ رضوان في غزة لتنفيذ العملية في مستوطنة دوغيت، التقط صوراً مع أمه وسلاح الكلاشينكوف، وبعد مقتله لم تحزن، بل علي العكس لقد احتفلت، ووزعت الحلوي علي أبناء عائلتها. كما فاخرت والدة حمزة السمودي من قرية اليامون بابنها الذي نفذ عملية مجدو في الخامس من حزيران (يونيو)، وقالت: لقد أراد حمزة إدخالي إلي الجنة، إنه يحظي بالنساء بحسان الجنة... لقد عاش ومات كالبطل.

الشارع الفلسطيني يسمي والدة الشهيد الخنساء، تيمناً بالشاعرة العربية المعروفة الخنساء التي عاشت زمن النبي محمد، وشكلت مثالاً يحتذي، إنها بالنسبة للفلسطينيين مثل حانا وأولادها السبعة عند اليهود. وهذه الثقافة البطولية أحدثت انقلاباً في المجتمع الفلسطيني، ذلك أن العمليات الاستشهادية لم تعد تعتبر عمليات تنم عن اليأس أو الخيبة والانتقام، وإنما أصبحت عمليات تزرع الأمل. وحسب مفهومهم، فإن الهدف من الاستشهاد ليس هو القتل من أجل القتل، وإنما وسيلة من أجل تحطيم قوة الصمود الإسرائيلية، وتقويض المجتمع، وتدمير الاقتصاد، وإسقاط حكومة شارون، وإجبار إسرائيل علي تقبل شروط الفلسطينيين المتعلقة بالحل الدائم. ويشعر الفلسطينيون أنهم نجحوا في إحداث هزة أرضية خفيفة شقت الجدارين الاجتماعي والاقتصادي في إسرائيل، إنهم يؤمنون أنه مع بذل المزيد من الجهود سيحققون انهيار إسرائيل. لقد قال احد قادة حماس: إن الاستشهاديين هم السلاح الاستراتيجي من أجل تحقيق الردع والتوازن، الفلسطينيون يخلقون حياة جديدة عبر بوابة الاستشهاد .



نودع الشهداء بالزغاريد

البطولة في الشعب الفلسطيني أنه كله صاحب بطولات، فليس الشباب أو منفذو العمليات هم أصحاب البطولات فحسب، بل ثمة تاريخ خاص تكتبه الأمهات في فلسطين، تاريخ لا يدركه مرددو مقولة المرأة نصف المجتمع أو الذين لا يعرفون المعني الحقيقي للأمومة والبطولة. 

فمع صعود البطل نحو معارج الشهادة، تبدأ بطولة الأمهات والزوجات ولا تنتهي إلا بتسليم الأمانة والالتحاق بالرفيق الأعلي، وشوق لقاء الأحبة يطير بالروح إلي عليائها. 
والجلد والصبر الذي تبديه الأمهات تجاه استشهاد أبنائهن لا يقتصر علي الصبر والسكوت والرضا بقدر الله، بل إن ثمة فرحاً وغبطة يكتنفان بعض النساء، وهذه درجة أعلي من الصبر، وهي تعبير أكبر عن أصالة الهدف لديهن. 
وبهذه الروح ردت ام عماد الزبيدي علي الصحافيين الذين جاؤوا ليبلغوها بأن ابنها هو الاستشهادي الرابع. وبدل أن تصرخ بوجههم منفعلة باكية، بدأت تزغرد فِرحة تتمني استشهاد أبنائها الآخرين، وزادت من ذلك أن خرجت في اليوم التالي، لكي تهتف بمسيرة ابنها الرمزية، وزادت أكثر عندما كبرت وحثت الجماهير علي المقاومة والاستشهاد في حفل التأبين.

لقد مثلت أم الشهيد عماد الزبيدي النموذج النسائي الفلسطيني المقاوم، فالصبر جزء من المقاومة. ذلك أن هذا الدور للأم الفلسطينية يتفوق علي مقاومة الرجال بالحجارة والهاون والرصاص، لأنه يتعلق أساساً بالقاعدة المعنوية والأرضية الأولية التي تؤهل أشبال ورجال فلسطين للانطلاق نحو المعركة.
وفي المقابل، تتحول بيوت التعازي لقاعات أفراح يقدم فيها التمر، وتصدح أصوات المنشدين بالنشيد والحداء المعبر عن الفرحة بالشهادة، وتمجيد الشهداء، وكأن الأمر تحول إلي عرس حقيقي. 

ولذلك، فاجأت والدة الشهيد جاسر سمارو النساء عندما كانت في استقبال المهنئين بقولها: أنا اليوم استقبلكن بعرس الشهيد، فهو لم يتزوج في الدنيا، وتزوج في مكان آخر هنيئاً له . ولم تختلف والدة الشهيد نسيم أبوالروس عن أم جاسر، عندما انطلقت الزغاريد من فمها لدي دخولها إلي ثلاجة الموتي في مستشفي رفيديا لتودعه فور علمها باستشهاده اغتيالاً علي يد القتلة، وأخذت تبارك له بالشهادة، في لوحة صمود تضاهي تلك التي قرأنا عنها في تاريخ الصحابيات الجليلات وصبرهن.

كذلك مثل الشهيد عمر سلمان عابد حالة جهادية قائمة بذاتها، فقد استقل سيارة أجرة خاصة للذهاب إلي حيث المواجهات بالقرب من مستوطنة نتساريم، وطلب منه السائق شيكلاً نظير توصيله، إلا أن والدة السائق التي كانت تجلس بجوار ابنها عرضت 20 شيكلاً مقابل عدم توصيل الشهيد؛ فقام السائق بإنزاله من السيارة خوفاً عليه، إلا أن عمر أصر علي الذهاب؛ فاستقل سيارة أخري، وذهب إلي موقع المواجهة، ورشق الحجارة باتجاه الجنود الصهاينة. فقامت طائرة مروحية إسرائيلية بإطلاق النار عليه حتي ترجل شهيداً إلي عليين. ومثلت والدته حالة جهادية مماثلة، حين أكدت عزمها علي المضي قدماً، وبذل المزيد من التضحية من أجل تحرير القدس، وقالت: لقد زغردت مرتين، الأولي عند زفافه إلي عروسه قبل ستين يوماً فقط، والأخري أمس تكريماً للشهادة التي نالها من ربه، والتي سيدخل بها الجنة إن شاء الله . وما قالته أم الشهيد عمر سلمان لم يختلف عما قالته أم الشهيد عرفات الأطرش في الخليل، حيث قالت: ابني مهم بالنسبة لي، ولكن الأهم أن تحافظوا علي القدس والأقصي وحائط البراق .
ما اجمل هذه الترنيمة حينما تطل من شفتي أم صابرة قدمت فلذة كبدها إلي العلياء، واستقبلت خبر استشهاده بالفرح والسرور! 

ولمثل هذه الأم حكايات تتجاوز بكثير روعة الاستشهاد، كأم الشهيد هاني أبوسخيلة التي استقبلت نبأ استشهاده بالرضا عليه وبالثناء والحمد لله علي استشهاد ابنها، ثم جلست تتحدث بنبرة قوية وهمة عالية، ويقين راسخ، رسوخ الجبال الراسيات، تقول: الحمد لله، هذا قدرنا، كلنا نتمني الشهادة في سبيل الله . وحين أتوا بابن الشهيد الرضيع، قالت بصوت عال: هذا ابن كتائب الشهيد عز الدين القسام، هذا هاني الزعيم رقم 2، سيكمل المشوار بعد أبيه!! هذا الطفل أمانة في أعناقكم، لازم يكون عضواً في كتائب الشهيد عز الدين القسام . 

البيت ليس مهماً ولكن المهم محاربة المحتلين:

تميزت انتفاضة الأقصي المبارك بتأثيرها الاجتماعي، بمعني إحياء إيواء المجاهدين واحتضان الانتفاضة والمقاومة، حيث أخذ الشعب نصيبه من قوله تعالي: ( وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ). 
وكان لتبني هذا الركن الأساسي وتحمل تبعاته أن غدا إيواء المجاهدين ظاهرة بطولية تعطي مادة نادرة لمن يشرحون آيات الإيواء في سورة الأنفال وآيات النصرة في سورة الحشر. فلقد صبغت دماء الشهداء حياة الشعب الفلسطيني بأسره، إذ لم تكتف بعض الأمهات بالصبر علي فقدان ابنها، بل شاركت في تجهيزه في جهاده، وأخذت توصيه وتشجعه، حتي أضحت رؤية مشهد والدة شهيدين وأسيرين ومطارد، وهي تعطي الأمة كلها درساً في رسالة المسلم في فلسطين، فتقول: أنا لا تهمني الدور، والذي بناها يبني غيرها، فظفر طفل صغير تساوي كل الدور وكل الأرض .

ومرة أخري، تثبت الأمهات في فلسطين أنهن لسن ككل الأمهات، ففي انتفاضة الأقصي المبارك غدت تلك الأم الشابة مدرسة للبطولة، حين دخل أحد الشبان إلي بيتها، فلحق به جنود الاحتلال مقتحمين البيت، فما كان منها إلا أن دفعت بابنها ليأخذوه بدلاً من ذلك المجاهد.

كل أم فلسطينية لها ألمها ومعاناتها، لها قصة تدمع العين وتبكي القلب وتشغل الفكر. فأم علاء سنافرة، وهي والدة أحد قادة المقاومة، ولها ابن آخر أصيب خلال المواجهات مع الجيش الصهيوني، تقول لمراسل صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بعد قرار وزير الدفاع الإسرائيلي بالتوقف عن هدم منازل منفذي العمليات الفدائية: حتي عندما هددوا بهدم منزلنا، وحتي بعد أن هدموه قلت لابني: كل الإسرائيليين وكل استخباراتهم لا يساوون حذاءك، ليذهب البيت، ابق كالشوكة في حلوقهم وقلوبهم . وتضيف أم علاء سنافرة: منذ أن هدموا البيت، تحولت حياتنا إلي جحيم بعد أن فقدنا خصوصيتنا، وتحولنا إلي عبء علي أقربائنا، لكن ولا في أي مرحلة، ولا في أي ثانية، ونحن في هذه المحنة لم أتهم علاء بهدم المنزل. نحن فخورون بما يفعله علاء ورفاقه، ونطلب من الله أن يحفظه هو ومن معه، إنهم يقاومون من أجل قضيتنا... إنه وقبل هدم المنزل اعتاد الجيش والشاباك اقتحام البيت وتوجيه تهديد للعائلة بأن البيت سيهدم إذا لم يسلم علاء نفسه... لم أفكر إطلاقاً في إرغامه علي تسليم نفسه من أجل إنقاذ البيت، الإسرائيليون لايريدونه حياً، إذ انهم كانوا سيقتلونه لو سلم نفسه، لم تنفع كل تهديداتهم، ولم نفرق بيننا وبينه. أخذنا بالحسبان بأن هذا سيكون مصيره، لكن هذا الثمن الذي من المفروض أن يدفعه شعبنا، أقدر ابني كثيراً وتضحيته بحياته من أجل كفاحنا العادل. البيت ليس مهماً، المهم أن يبقي الشباب سالمين، ويواصلوا محاربة المحتلين .

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  102alsh3er

ونتابع مسيرة الصابرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:52 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Zayta-17918

عطاؤها بلا حدود

الاشتياق، الحنين، كلمات ربما لا تعبر عما في قلب أم الشهيد؛ فما بداخل هذه الأم أكبر من هذه المعاني، فهي التي حملت وأنجبت طفلاً عاشت معه ساعة بساعة ولحظة بلحظة، تتمني أن تراه رجلاً تفخر به أمام الناس، ولكن رصاصات أنهت هذه الأحلام وقضت علي شاب كان أمل والديه. 

والأم الفلسطينية معني مختلف عما يعرفه البشر، هي رمز العطاء اللامحدود، قدمت فلذة كبدها مرفوعة الرأس عالية الهمة تزغرد يوم تزفه إلي الجنة وتبكي حين تخلو بنفسها! قلبها يتمزق وتبدو صامدة قوية تنافس الخنساء في صبرها، تواصل تربية أبنائها علي حب فلسطين؛ الأم الحقيقية لكل متعطش للحرية، لكل طالب للشهادة لكي تضمه بصدرها الواسع، ثري الوطن. 

ومن هنا، أثارت الأم التي تظهر علي قسمات وجهها علامات الفرح عندما يبلغونها بشهادة ابنها حيرة العالم أجمع، فمنهم من فسرها علي أنها نعمة من الله تعالي لأنه ينزل الصبر والرحمة علي قلب الأم ولا يجعلها تشعر بمرارة هذا الفراق. وأما الذين لا يؤمنون بهذا القدر، فقد فسروها علي أنها أم قاسية القلب متحجرة المشاعر، ترمي بفلذة كبدها للموت دون أي رحمة أو شفقة. ولهذا سنبدأ بحديث أمهات الشهداء عن هذه التجربة المختلطة المشاعر، كيف حدثت وما وقعها عليهن، وكيف استطعن التعايش معها؟ 

عيون ملؤها بريق حزن، ونظرات حملت في طياتها آلاف المعاني، وتنهيدة قلب مذبوح خرجت من صدر أم الشهيد عماد أبوسمهدانة (22 عاماً)، الذي نفذ عملية فدائية في مستوطنة موراج، فبدأت حديثها بالقول: إن ولدي فدائي، قام بتنفيذ عملية فدائية داخل موقع عسكري إسرائيلي، إنه جندي فارس، دخل الموقع وقال لجنود الاحتلال: نحن جئنا لننتقم لإخواننا الشهداء؛ أنا لا أريد البكاء علي ولدي، بل إنني فرحة والسرور يملأ قلبي، لقد رفع رأسي في كل الحي، وكرمني عند ربي بأنه استشهد في سبيل الله ، واستكملت أم الشهيد عماد كلماتها قائلة: إن جيراني في حيرة مني، لأنني لم أبكِ ولدي كثيراً، ولكنني أقول: إن الجرح في القلب، وإنه ولدي نعم، أي أنه روحي وأكثر، ولكنه أحب لقاء ربه، فهل أبكي لذلك؟ بل إنني صامدة صابرة، وأدعو له بان يلقي إخوانه الشهداء. نعم، إن دماء ابني روت أرض فلسطين، وربي يصبرني علي ذلك الحزن والحرقة التي تمزق قلبي؛ وعيوني تلتهب تريد أن تنفجر بكاء، ولكنني وإن بكيت فإنها دموع الفرحة، لأنني أم الشهيد الذي تحدي الاحتلال وأوفي بعهده مع ربه .

وبلحظة صمتت تلك الأم الفلسطينية، ونظرت بشموخ إلي السماء، وقالت: إنه ولدي وفلذة كبدي، إنني أفتقده، ولكنني أقول: لو كان بمقدوري كامرأة أن أذهب للمشاركة في مقاومة الاحتلال فإنني لن أتأخر لحظة واحدة، ولكن كل ما بيدنا كأمهات فلسطينيات هو أن ننجب هؤلاء الأبطال . 

نعم، إنها الأم الفلسطينية التي أنجبت الأبطال، فأم الشهيد خالد أبوعلبة أكبر أبنائها وكان عمره 15 عاماً الذي استشهد خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في بلدة بيت لاهيا بشمال مدينة غزة، جسدت هذه المعاني بكلمات بسيطة لتقول: كثيراً ما تشاجرت مع خالد قبل استشهاده، حتي إنني قمت بحبسه داخل غرفته ومنعته من الخروج، لأنه كان يذهب كثيراً لكي يلقي الحجارة علي جيش الاحتلال مع رفقائه، كنت أخاف عليه من أن تصيبه نيران قوات الاحتلال التي لا تعرف الرحمة ولا تفرق بين الصغير والكبير؛ من داخلي أتمني الشهادة لي ولأبنائي، ولكن يظل الخوف والفزع يتملك الأم من أن تفقد فلذة كبدها وهي التي تعبت في حمله وولادته وتربيته، ولكن هناك أيضاً ايماناً بأن حب الله والوطن والمقاومة هي فرض علي كل مسلم، ولكني كنت أري ابني خالد أنه ما زال صغيراً لا يقدر علي هذه المواجهة الغير متكافئة، ولكن قدر الله ومشيئته أقوي وأكبر من أي شيء، فقد كتب لابني أن يستشهد، ولا أنكر أنه دائماً طلب هذا الشيء، وكان دائماً يقول لي: إننا شعب محتل ونحن جزء من هذا الشعب، فلماذا لا نشارك جميعاً في مقاومة هذا الاحتلال حتي يذهب عن أرضنا؟ فهذه الحجارة التي أقوم برميها عليهم كثيراً ما تقوم بإصابتهم، وما ادراكي؟ ربما تكون هي السبب في جلائهم، وهنالك شيء آخر إن الذي يموت وهو يدافع عن بيته وأرضه هو شهيد عند الله، فما أجمل هذا، ولذلك لا اطلب من الله إلا أن يتقبلني شهيداً . 

تتذكر أم خالد هذه الكلمات، ووجها يضيء بابتسامة، وحين سُئلت: كيف استقبلتِ هذا النبأ؟ وكيف استطعت أن تقومي بضبط عاطفة الأمومة؟ أجابت: لا أنكر بأنني أصبت بصدمة في بداية الأمر، لأن خالد كما قلت سابقاً ما زال صغيراً، ولم يكن ينضم إلي مقاومين، ولم يكن يخطط لتنفيذ أي عملية ضد قوات الاحتلال. فقد كان مثل بقية الأطفال يقوم برجم الحجارة، فقد ظل خالد ثلاثة أيام في مستشفي الشفاء علي اثر إصابته البليغة في رأسه، واستشهد في اليوم الرابع، فهذه الأيام الثلاثة مرت علي وأنا في حالة ذهول، لم أكن أدري ماذا يحدث، ولم أستوعب حقيقة ما جري، فقد كنت أري ابني أمامي وما زلت حتي الآن أراه بجواري، فابني شهيد حي عند الله، فما أقسي مرارة الفراق، ولكن ما أحلي الصبر والإيمان الذي يلف قلب المؤمن بالله! وهذا ما شعرت به عندما جاؤوا لي بخالد لكي أودعه قبل دفنه، فقد وجدت نفسي أقوم بقراءة القرآن عند رأسه، وأقوم بتوديعه وكأنه نائم، فما كان أجمله في هذه اللحظة، صدقوني ليس من السهل علي الأمهات أن يعشن لحظات فراق أبنائهن، ولكن الأعظم من هذا هو الصبر الذي ينزله الله علي قلب الأم والذي يجعلها تري ابنها في كل دقيقة تحياها، هذا ما جعل الابتسامة تضيء وجهي وقت وداع ابني، وهو الشيء الذي جعلني لا أقبل التعزية، بل كلمة مبروك ، لأنه عرس ابني الذي جاء مبكراً .

اللي من الله يا محلاه:

هذه الكلمة التي قالتها أم الشهيد نائل شحدة اللداوي (22 عاماً) وهي تتحدث عن ذكري ولدها الذي استشهد بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2000م، وتقول: 22 سنة عشتها مع نائل، كل يوم فيه ذكري، ابني نائل هو البكر. كان أول فرحة فرحتها، كان نور عيني، ولكن أنا سعيدة بشهادته في سبيل الله وسبيل الوطن .

وتضيف والدة الشهيد حسني، التي استشهد ابنها البكر (23عاماً) أثناء قصف قوات الاحتلال لبناية في منطقة الشيخ رضوان بمدينة غزة، في حين اعتقل ابنها الأصغر سناً علي (21 عاماً) معني جديداً من معاني الصمود والصبر، فتقول: الشيء الوحيد الذي يعزيني هو إيماني بالله، وأنه قدر كتب علي كل مسلم، وأن ابني لم يمت إلا شهيداً. فلوعة الفراق يعيشها كل إنسان، فما بالك بالأم التي حملت ابنها وأنجبته وكبر وترعرع أمام عينها؟ فليس من السهل أن تخسره بين يوم وليلة، ولكن الآن وبعد انقضاء فترة علي استشهاده يزيد الصبر داخلي الذي أنزله الله علي منذ استشهاد ابني، وشيئاً فشيئاً أصبحت أكثر قوة وعزيمة وصبراً بإذن الله، وقد عدت حديثاً من عمرة أديتها طلبت من الله أن يجزيني بها خيراًُ ويعوضني عن لوعة فراقي لأولادي .

بإمكانك يا أمي أن تنجبي آخرين، وعندك الآن ستة أولاد يكفيك منهم ثلاثة، وهبي لله ثلاثة . وتكمل والدة الشهيد مهند سويدان حديثها، حيث عششت مشاعر متداخلة، ربما الحزن، وربما الفرح، ولكن المؤكد أنها كانت مشاعر بطعم الصبر: باسماً قالها، وعيناه تحوطانني بالدفء والحنان، ثم ودعني وطبع قبلة علي جبيني ومضي، فقد كان علي موعد مع الله، وذهب ليلقاه شهيداً مساء يوم الخميس 21/6/2001م في كمين نصبه له جيش الاحتلال أثناء محاولته تسلق جدار مستوطنة كسوفيم جنوب مدينة غزة . وتتحدث أم مهند عن ولدها مفاخرة، وشاكرة لله علي قضائه: الحمد لله الذي شرف ابني بشهادة في سبيل الله، فقد أوصاني ألا أبكي عليه، وإذا رزقني الله بطفل فلتسميه يحيي تخليداً لذكري الشهيد يحيي عياش. فقد كان مهند يحب الشهادة ومكانة الشهداء .


نساء فلسطينيات في الانتفاضة  8-3-1777

ونتابع مع الصابرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:53 pm

لقد رفع رأسي إلى السماء:

والدة الشهيد عماد سليمان محمود أبواسنينة، سألتْها إحدي الصحافيات: كيف جاءتك المقدرة لتزغردي عندما رأيت جثمان ابنك الشهيد في المستشفي؟ فقالت بنظرة حزينة: نحن لا نفرح بموت أبنائنا وبعدهم عنا ولا نحب أن يفارقونا، وأنا لم أزغرد لأنني فرحة باستشهاد ابني، بل إنني فخورة به ومعتزة بتاريخه، لقد زغردت لكي أرد كيد العملاء والخائنين . 
وتضيف: إن ابني يونس تزوج قبل استشهاد عماد بأربعة أيام فقط، ولم أزغرد للعريس. وقد تممنا زواجه علي عجل، لأني كنت علي يقين بأن عماد سيستشهد، وبررت سبب العجلة بقولي: إن عماد يضع قدمه الأولي في القبر والثانية في الدنيا. فقد كان يشارك بفعاليات الانتفاضة منذ أن كان عمره 9 سنوات، وتدرج بالعمل العسكري، حيث بدأ بإلقاء الحجارة في الانتفاضة الأولي، ثم إشعال إطارات السيارات، ثم إلقاء الزجاجات الحارقة، ثم حمل الرشاش مع بداية انتفاضة الأقصي حيث لم يكن يفارقه أثناء نومه. واستشهد دون أن يملك من حطام الدنيا إلا شيكلاً واحداً، وبندقيته وملابسه التي يرتديها .
الحمد لله، أنا فخورة به، لقد رفع رأسي إلى السماء .

فواز الدهشان

الاستشهادي فؤاد مصطفي الدهشان، الذي استشهد أثناء اقتحام مستوطنة دوغيت بتاريخ 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، يكتب في وصيته موجهاً الحديث لوالدته: وأنت يا أماه: أقف صامتاً أمامك، ثم أقول: يا أماه اصبري واحتسبي عند الله شهيداً، وافتخري أن ابنك شهيد، وارفعي رأسك شامخاً لأن الله أخرج من بين يديك مجاهداً مدافعاً عن المسجد الأقصي وفلسطين، ينوب عن المسلمين لرفع الظلم عن المظلومين، ثم إني أوصيك بأن تكثري من الدعاء لي، وادفعي بإخوتي إلي المسجد ليتأدبوا بآداب الإسلام ويتخلقوا بأخلاق القرآن.
لقد قلت لك يا أماه: إنني سأذهب إلي رحلة، نعم أمي، رحلة إلى الجنان لألقى الأحبة: محمداً وصحبة.

وهذا الطريق الذي سار عليه فؤاد وإخوانه الشهداء والاستشهاديون، لا يسير فيه إلا الرجال ذوو الهمم العالية والقدرات والطاقات الإيمانية، طريق الباحثين عن الشهادة وجنة عرضها السماوات والأرض، حري به أن يكون من ورائه أمهات لا يصعقهن خبر استشهاد أبنائهن، لأنهن كن متوقعات استشهادهم في أي لحظة.

فيتقبلن النبأ، مثل والدة الشهيد مروان أحمد حمتو النجار، بالفرح والزغاريد وتوزيع الحلوي وحمد الله، ويحتسبن شهيدهن عند الله علي أن اختار ابنهن شهيداً في سبيله. ومن هنا، لم يكن مستغرباً أن ترفض والدة الشهيد علاء محمود عودة الشكري، الذي استشهد في جريمة اغتيال الدكتور إبراهيم المقادمة، تقبل التعازي، وتقول لمن يسلم عليها: إنها تتلقي التهاني لاستشهاد ابنها وليس التعازي.

وأما في بلدة كفر راعي، مسقط رأس الشهيد القائد إياد أحمد صوالحة، فقد استجابت العائلة أيضاً لوصية الشهيد، ورفضت فتح بيت عزاء، وإنما فتح بيت لاستقبال المهنئين، وصوت أمه يقول: وقفت معه دوماً وقلبي يدعو الله أن يحميه ويحقق أمنيته. وبعد استشهاده، لست نادمة، فقد أنجبت وربيت بطلاً حمل روحه علي عاتقه وهز الكيان اليهودي بكافة أركانه؛ بل إنني فخورة بولدي، وأتمني لو أنجبت عشرة أبطال مثل إياد؛ إياد حي لن يموت، فكلنا إياد وسنمضي علي دربه .

وجسدت والدة الاستشهادي عبد الباسط، صورة الخنساء الفلسطينية، حين وقفت في عرس شهيدها، لتقول: لقد كنت فخورة به وبما عمل، رغم أنني ككل الأمهات فجعت به، لكوني لم أرهُ منذ ثمانية شهور، وكنت أجهز لعرس عبد الباسط الذي كان مزمعاً إجراؤه في شهر تموز (يوليو)، ولكن فازت به الحور العين، فهنيئاً له الجنة، وربنا يجمعني معه يوم القيامة؛ الله يرضي عنه ويجمعني معه يوم القيامة، وأتمنى من كل شاب فلسطيني أن يفعل ما فعله عبد .

ام يوسف تستقبل

في مخيم جباليا، استقبلت أم يوسف جثمان ابنها الشهيد وسام فايز يوسف حسن، الذي استشهد فجر يوم الأحد الموافق 26 كانون الثاني (يناير) 2003م، أثناء تصديه للاجتياح الغاشم علي حي الزيتون بمدينة غزة بكلماتها التي تبث الحماس والقوة في النفوس، حيث قالت: نم قرير العين يا وسام، فبعدك أخوك وسيم سيكمل المشوار، إنني فخورة باستشهاده، وإنني أشد علي يد أخيه التوأم وسيم لسلك درب أخيه في سبيل الله، واحتسب فراقه عند الله سبحانه وتعالي .

وتكاد كلمات أمهات الشهداء محمد زياد الخليلي ورامز جمال أبوغالي وراوي حسن أبوكميل متطابقة رغم اختلاف الأماكن والأزمنة. فقد تحاملت والدة الاستشهادي محمد الخليلي علي أمراضها المزمنة، وقالت للمهنئين باستشهاد ابنها: الحمد لله، نال ما تمناه دائماً، والحمد لله علي الشهادة . وأما والدة الشهيد رامز أبوغالي، فقالت: الحمد لله علي استشهاده، فهو شفيع لي ولأبيه ولأهله يوم القيامة بإذنه؛ ورامز لم يمت، فاز بجنة عرضها السماوات والأرض، والحمد لله .

أتمنى الشهادة لألحق بابني

أم محمد هي أم لثمانية من البنين، الأكبر قضي 13 عاماً في سجون الاحتلال، والثاني كان مطارداً وما زال مطلوباً لسلطات الاحتلال، حيث غادر عن طريق مصر إلي ليبيا ثم السودان. وأما الابن الثالث، ياسر، فقد أصيب في بداية انتفاضة الأقصي المبارك برصاصة اخترقت جدار قلبه، الأمر الذي استدعي أن ينتقل إلي ألمانيا للعلاج. واعتقل عماد لمدة أربع سنوات في سجون الاحتلال الصهيوني. 
ويكتمل لقب أم الأبطال كما أطلق عليها أهل مخيم الشاطئ، لأنها أصبحت أم الشهيد والسجين والمطارد والجريح، حين مضي فلذة كبدها حمدي إلى ربه شهيداً.

فالبطل الذي اعتقل عام 1991م لمدة شهرين، وبتر إصبعان من يده اليمني أثناء محاولته إلقاء قنبلة يدوية تجاه دورية عسكرية إسرائيلية، وأصيب برصاصة في فكه أثناء المواجهات، وقاد مجموعة الطيبة التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام، ولكنها اكتشفت قبل تنفيذ مهمتها، فاستشهد زملاؤه الأربعة في الاشتباك مع جنود العدو، وتمكن حمدي من الإفلات والوصول إلي نابلس، حيث اعتقل هناك من قبل جهاز الأمن الوقائي، ثم نقل إلى السجن في غزة.

ولم يخرج حمدي من السجن إلا في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2000، إثر قصف طائرات الاحتلال لمركز الأمن الفلسطيني، فحاولوا اعتقاله مرة أخري، لكنه تواري عن الأنظار، وكأنما أراد أن يلتحق بإخوانه الذين كانوا معه في الطيبة ولم تكتب له الشهادة معهم.

وكان حمدي علي موعد مع الشهادة في عرض البحر، فبعد أن مكث في المنزل عند تحرره من المعتقل ساعة واحدة، خرج وهو يقبل والدته قائلاً: يا أمي لن أعود إلي السجن، لقد صممت علي الشهادة . ومضي حمدي إلي ربه شهيداً في عملية غير مسبوقة، حيث فجر نفسه في قارب مليء بالمتفجرات، استهدف زورق دورية للبحرية الإسرائيلية قبالة شواطئ رفح يوم الاثنين الموافق 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000.
تلك حكاية حمدي عرفات خليل أنصيو (29 عاماً). بيد أن لأمه حكايتها أيضاً، فهي مدرسة في ذاتها، رغم أنها لا تعرف القراءة والكتابة ولا تعرف المعاني السياسية، ولكنها تفهم ألف باء المقاومة.

ريح البيارة

ولم يكن هذا الموقف غريباً، فهي التي هُجِرت طفلة مع أهلها من بيارة كانوا يملكونها قرب يافا لتسكن خيمة في مخيم الشاطئ، فبيت لا يقي من المطر أو الحر، لتربي أبناءها علي معني واحد، وهو الحياة بكرامة أو الموت بشهادة.
ورغم أنها لم تتمكن من وداعه حياً أو إلقاء نظرة الوداع عليه شهيداً، فإن أم الشهيد تؤكد أن صورة حمدي مرسومة في قلبها، وتسمع صوته كلما تحرك موج البحر الذي لا يبعد عن منزلها سوى أمتار، لأنه يحمل إلى أنفها رائحة ابنها الذي تبعثرت أشلاؤه في المياه اثر العملية الاستشهادية.

وتحدثت أم محمد، وهي تستقبل المهنئات باستشهاد حمدي قائلة: سأنظر إلي البحر كلما اشتقت إليه وأدعو له، إني سامحته رحمه الله؛ لقد تمني الشهادة فنالها، ابني مثل كل الشهداء يرفع رأسي في السماء، وما يصبرني أنه حبيب ربه والحمد لله، شهادته في البحر، وشهادة البحر بشهادتين .
لحمدي أن يكون شهيد البحر الأول في انتفاضة الأقصي المبارك، وله أن يهدي لأمه شفاعات كثيرة، لا شفاعة واحدة، يوم ينادي علي الشهداء جنباً إلي جنب مع الأنبياء والصديقين. وأم الشهيد ليست وحيدة، فهي نموذج آخر من نماذج الصبر والعطاء.

زفة الشهيد للحور العين

قبل أيام من زفافه، يأبي إلا أن يزف إلي الجنان حيث تنتظره هناك الحور العين، ذلك أن الشهداء ينظرون بمنظار غير الذي ينظر به بقية البشر، فهم ينتقلون من عالم الأموات إلي عالم الأحياء. ولئن كان مثل هذا العريس الشهيد حالة جهادية قائمة بذاتها، فإن والدته أيضاً تمثل حالة مماثلة بعد انضمامها لقافلة خنساوات فلسطين.

وبكل قوة وإيمان، تجدد والدة الشهيد محمود العمواسي، الذي استشهد في اشتباك مسلح في بلدة بيتونيا القريبة من مدينة رام الله، مشهد خنساء العرب، فقد فاجأت السيدة مريم إسماعيل خليل الجميع، حين رقصت يوم سمعت بخبر استشهاد ابنها، وكانت تقول وهي تستقبل المهنئين بالشهيد: لم أرقص في زفة عرسه، ولكنني رقصت في زفة استشهاده؛ كان عريساً جديداً، استشهد في اليوم الرابع من زفافه . واستأنفت أم إسماعيل حديثها قائلة: إحساسي كأم كان صادقاً، لأن إحساس الأم لا يخيب، فقد كنت أحس بأنه سوف يستشهد. وقلبي كان مقبوضاً، فلم أسعد كأي أم عريس، ولقد حاولت جارتي أن تلبسني الفستان الذي كنت قد خيطته وجهزته لعرس ابني رغماً عني. وحين أصرت علي ذلك، مزقت الفستان دون وعي، ولم أكن أشعر بأية سعادة يوم عرسه، فلم أرقص ولم آخذ الصور التذكارية، وكنت فقط أشعر بحزن وانقباض عميقين .

خالد محمود الزهار

خالد محمود الزهار، شاب يبلغ من العمر 23 عاماً، يحمل شهادة الماجستير في تمويل الشركات الكبري من بريطانيا. وقد عاد في شهر رمضان المبارك إلي قطاع غزة ليعمل محاضراً في الجامعة الإسلامية، وكان علي وشك الزواج، حيث تقدم لخطبة فتاة وتمت الموافقة وتحديد موعد العرس في يوم الجمعة الموافق 12 أيلول (سبتمبر) 2003. ولكن، في صبيحة يوم الأربعاء 10 أيلول (سبتمبر) 2003، بينما كانت السيدة سمية الآغا (أم خالد) وابنتها ريم في المطبخ تعدان الإفطار للعريس الذي كان قد حضر لتوه من الجامعة بعد إلقائه محاضرته، وجلس هو وأبوه القائد الدكتور محمود الزهار يناقشان أمور الخطبة والتجهيزات لها، ألقت طائرة (أف ـ 16) صهيونية قنبلة بزنة 650 كيلو غراماً، لتحول فرحة العائلة بخطبة ابنها إلي مأساة، وضاعت الأحلام تحت الركام، فقد استشهد الابن العريس، وأصيب الوالد والابنة بكسور، وكانت اصابة أم خالد خطيرة في العمود الفقري، ودمر البيت وأصبح أثراً بعد عين.

وفي مستشفي الشفاء في غزة، رقدت الأم الصابرة هي وابنتها علي سريرين متجاورين. ولم تتأكد الأم من استشهاد ابنها إلا في اليوم الرابع من الحادث، عندما حضر الطبيب إليها وأخبرها، وتصف أم خالد تلك اللحظة قائلة: حينها فقدت أعصابي، ولم أعلم بحالي ولم أستطع التحمل، ولكنني صبرت بعد ذلك؛ كنت سعيدة بأن خالد سيتزوج ويصبح لديه عائلة وأنا سأصبح جدة، وكان في غاية من الفرح لأنه سيتم دينه بالزواج. ومثل كل أم هنا في فلسطين، قمت باختيار العروس له، كانت العائلة سعيدة. وكم كنت أتمني أن أزف ابني إلي عروسه بيدي، لكن حور الجنة سبقتني بلقائه وأخذته إلي الجنة التي ستكون من نصيبه إن شاء تعالى.

ونتابع ...

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:53 pm

نساء فلسطينيات في الانتفاضة


وبإيمانها الشديد بقدر الله تعالي، وجهت أم خالد خطابها إلي الأم الفلسطينية أن عليها أن تربي أبناءها تربية حسنة تدفعهم إلي عمل الخير، وأن تكون مثل الخنساء تقدم أبناءها للشهادة من أجل الوطن، فتقول: إن الأم الفلسطينية وجدت نفسها من أجل الآخرين، حملت ولدها إما جريحاً أو شهيداً أو معتقلاً، تزغرد له وتبكيه. ولكنها صامدة وصابرة من أجل الوطن والقدس والمقدسات .

أم الشهيدين تستحث أولادها على الشهادة

كل النساء تحلم بولد يضيء لها دنياها إن عز الضياء، إلا هي كانت أعظم من كل النساء، تحلم بولد تضيء به للدنيا من حولها. فمن عصر أسماء أتت تردد وصيتها: يا بني ضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في ذل ، إلي عصر أم محمود العابد تعطيه بندقية مختالة بساعده الأسمر، توصيه الثبات عند اللقاء، وتودعه بابتسامةِ أجمل الأمهات: بني أنت شعاع الروح والروح فدواك، ولو أصابك مكروه في غير ساحات الوغي لأقسمت عيني ألا توقف العويل حتي تلامس باطن الأرض، ولكن كل حبة من ثري وطنك اليوم ترجوك الوصال، لا ترتعد أمام العدو ولا تهدر الرصاص . 

خلال انتفاضة الأقصي المبارك، ثكلت آلاف العائلات الفلسطينية برحيل أبنائها وبناتها، منها عائلات عديدة قدمت اثنين من أبنائها، بل من بين حالات الاستشهاد تلك ترجل من الشهداء شقيقان في حادثة واحدة، شيعتهما العائلة في لحظة واحدة كذلك. واستناداً إلي توثيق فعاليات انتفاضة الأقصي المباركة، فإن عدد العائلات الفلسطينية التي فقدت أكثر من شهيد منذ بدء الانتفاضة بلغ أكثر من (70) حالة استشهاد أشقاء اثنين فأكثر، سواء في واقعة واحدة أو في وقائع متفرقة، خمس وعشرون منها فقدت الابنين بيوم واحد في حوادث مختلفة نفذها جنود الاحتلال، أما باقي العائلات التي فقدت شهيدين أخوين فقد فقدتهما في حوادث استشهاد منفصلة خلال أعمال القصف أو إطلاق النار من قبل قوات الاحتلال أو العمليات الفدائية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية. 

وقصة عثمان تختزل جهاد عائلة الرزاينة بكاملها، فحياة عثمان لم تكن حياة طبيعية، وزواجه لم يكن زواجاً طبيعياً، وعلاقته الأسرية لم تكن علاقات طبيعية، عثمان عاش مقاتلاً، وتزوج مجاهداً ومات شهيداً، أمه أم الشهيدين، وزوجه زوجة الشهيدين، صبرٌ ما بعده صبر. 

الطريق الذي اختاره الشهيد عثمان الرزاينة ترك أثراً بالغاً علي أمه وزوجته، بل العائلة بأكملها، فلم يكن موقف الزوجة والوالدة بأقل مما ارتضاه عثمان من حياة الجهاد واشتياقه للشهادة، ويكفي فخراً أن تكون تلك العائلة، رغم الألم وأنواع العذاب التي تذوقتها، مثالاً ناصعاً للأسرة المسلمة في التضحية والفداء. 

أم أيمن، الأم الصابرة، تقول: كلما كان يذهب إلي عملية، كان يجيء لي ويودعني ويقول لي: إدعي لي يمة بالشهادة، أقول له: الله ينولك إياها يمة. وقبل شهر قال لي: أنا بدي استشهد في رمضان، قلت له: خير يمة رمضان شهر مبارك، الله ينصرك علي اليهود يا رب، فقال لي: إدعي لي أجتمع مع أيمن في الجنة ونشفع لكم، بنصير شهيدين... قلت له: إن شاء الله يمة وعصرت علي قلبي وقلت في عقلي: الله يرضي عليه، نفسه يستشهد، الله ينوله إياها، وما رضيت أبكي قدامه علشان يروح فرحان ويجاهد فرحان؛ كان دايماً يحفظني من القرآن ويقول لي: بتنفع يوم القيامة يمة . 

وتكمل أم أيمن قائلة: جاءني بعد ما أكل مع زوجته وأولاده وأولاد أخيه وقال لي: يمة أربطي لي بيت المسدس علي رجلي، فقلت له: خير يمة ما أنت بتضعه علي جنبك، قال: لا أنا بدي أقتحم مستوطنة وباخاف يقع، قلت له: يعني ما بدك ترجع؟ خلص يمة؟ قال لي: خلص يمة الجنة بتنادي. فلم أحتمل وبكيت، وما قدرت أربط حزام المسدس علي رجله، فذهب وجاء لي بزجاجة عصير مانجة لأني أحبها، واشتري لي بندق وأعطاني نقوداً لأشتري لأبيه ما يريد، وقال: ادعي لي يمة بالشهادة والجنة، قلت له: يا رب الجنة إلك ولأخوك أيمن. اشفع لنا يمة، قال: إن شاء الله، وغادر البيت . 

أبارك لنفسي حصولهما على الشهادة السماوية

اليأس والبؤس والفقر هي العناوين التي تقدم لتحليل العنف الفلسطيني ، ولعل الحكاية التي نتوقف عندها ترد بقوة علي هذه الطروحات السطحية التي تجعل الجهاد عنواناً لليأس. 
فالوالد منصور محمد حسن الحضيري وأصله من مدينة يافا المحتلة عام 1948، ولد في طولكرم عام 1949م من بيت عز وجاه. ومع أن قلة من الناس كانوا يكملون دراستهم العليا نهاية الستينات، إلا أن منصوراً واصل جده واجتهاده حتي حصل علي شهادة الماجستير في هندسة التربة والمياه مما أهله ليصبح نائباً لعميد كلية طولكرم التقنية (معهد خضوري) للشؤون الأكاديمية. وأما من جهة الوالدة، السيدة مها سليمان عبد الرحمن ناصيف، فهي أيضاً مربية فاضلة ذات ثقافة عالية، وتعمل مدرسة في بلدة شويكة، أثبتت الأيام أنها وزوجها من خيرة المربين الذين قلما يجود الزمان بمثلهم، فهما أفضل من يربي ولديهما الوحيدين ليكونا شهيدين. 

وفر منصور الحضيري لعائلته الصغيرة (ولدين وثلاث بنات) مستوي راقياً من المعيشة، ولم يبخل عليهم بشيء، بيد أن ذلك لم يدفعهم نحو مسارات الترف، فقد حملتهم الأم الرائعة والأب الفاضل إلي بيئة الخير والفضيلة من خلال المسجد. وفي سجل حياة الولدين: علي وعامر القصيرة محطات جهادية وتضحية شاركت فيها عائلة منصور الحضيري برمتها. فالأكبر علي كان في الفصل الأخير من الدراسة حين كان علي رأس مجموعة من مقاتلي كتائب القسام يتصدون لوحدة من القوات الخاصة الإسرائيلية داهمت المنطقة التي كانوا يتحصنون فيها يوم الجمعة الموافق 3 أيار (مايو) 2002م. وهنا، طلب علي من إخوانه الانسحاب إلي موقع آخر، فيما تكفل هو بتأمين الغطاء لعملية الانسحاب، فخاض معركة بطولية مع الوحدة الإسرائيلية كانت حصيلتها مقتل قائدها ونائبه وإصابة عدد آخر من الجنود وفق ما اعترفت به سلطات الاحتلال الصهيوني وقتها. 

وكان شقيقه الأصغر عامر علي موعد مع الشهادة قبله بشهور. إذ كان عامر من أنشط الشبان منذ نعومة أظفاره، فقد اعتقل وهو بالصف الأول الثانوي بعد أربعين يوماً من اعتقال شقيقه، ثم أكمل الثانوية بعد ذلك والتحق بجامعة الخليل لدراسة الإدارة والتمويل. وبعد سنة اعتقلته سلطات الاحتلال واحتجزته في معتقل الجلمة لمدة شهر كامل تعرض خلالها لتعذيب بشع فقد بسببه سمعه وبصره لفترة من الوقت. وإثر خروجه من المعتقل، انتقل للدراسة في جامعة القدس المفتوحة في طولكرم وعاود نشاطه العسكري، إلي أن اغتيل بثلاثة صواريخ أطلقتها طائرة أباتشي علي سيارته بتاريخ 5 آب (أغسطس) 2001م، وكان في السنة الأخيرة من الدراسة كما كان شقيقه. 

بمقاييس البشر العادية، المصيبة كانت عظيمة علي عائلة منصور الحضيري، وعلي وجه التحديد أم علي التي فقدت ولديها الوحيدين وأصبحت العائلة تتكون من ثلاث فتيات والوالدين، إلا أن رباطة الجأش التي تميزت بها العائلة فاقت كل التصورات، وأثبتت للجميع أن الشعب الفلسطيني أقوي من آلة الحرب الصهيونية.

وككل الحكايا التي تكتبها دماء الشهداء في أسفار الخلود، كان لدماء آل الحضيري قصة وحكاية صاغها الوجع المتمرد علي ظلم القيد، لتحاكي روعة دمائهما وشرف بطولاتهما بلون الدم وريح المسك وعنفوان الشباب المشتعل حماساً لساعة اللقاء. فمن أين أتي هذا الصبر، وكيف كان شعور الوالدين بعد فقد ولديهما، وهل الأولاد أفضل في نظرهما أم البنات؟ وكيف استقبلت الأم خبر الشهادة؟ 

لم تكن أم علي تعلم أن ولدها الذي يلح عليها أن تدعو له بالشهادة هو هدف طائرات الأباتشي الصهيونية الملتصقة بسماء المدينة وهو تحت مرمي القناصة. ففي يوم الأحد الموافق 5/8/2001، حضر عامر إلي البيت ليخطف لقاءً بأسرته اعتادته منه لانشغاله الميداني ومهماته الجهادية، وأخذ يطلب من أمه أن تدعو له بالشهادة محاولاً اقناع قلب الأم بمنزلتها العظيمة ومكانتها الرفيعة في الجنة أن ينال ابنها الشهادة. وأخيراً، وتحت إلحاحه الشديد دعت الوالدة أن يتقبل الله ابنها شهيداً عنده، فقبل رأسها وخرج، وما هي إلا لحظات قليلة حتي دوت ثلاثة انفجارات كانت كافية لجعل الأم تدرك أن باب السماء كان مفتوحاً عند دعائها.

لقد كانت الأم تعلم أن فتاها الوردي يحب الأرض ويعشق الشهادة، وكم أخبرها أنه رغم حبه لها ولوالده فإنه يتوق إلي الفراق والرحيل إلي مقام أسمي ومكان أعلي، إلي السادة الكبار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، حدثها طويلاً أنه قد اشتاق لرفاقه الراحلين: فواز بدران وأحمد عليان ومحمود مرمش ونبيل خاطر، ثم فاجأها عندما قامت لصلاة الظهر ليقول لها وهي علي المصلي: ادعي لي أن يرزقني الله بالشهادة، فدعت له بذلك، وأن يزوجني باثنتين وسبعين من الحور العين، فدعت له بذلك أيضاً.

وفي بيت هذه العائلة الشامخ في قلب الساحل الفلسطيني، جلست أم علي ككل الأمهات الفلسطينيات تتحدث عن شهيديها الرائعين، فتقول: اعتقل ولدي الأكبر علي وهو في السابعة عشرة من عمره، وبعد أيام تبعه عامر ابن الصف العاشر في ذلك الحين، حيث مكثا في المعتقل ما يقارب العام. وحين كنت أذهب لزيارة ولدي داخل السجن، كنت أتطلع للتخفيف من آلامهما فيفاجئاني بالصبر والتجلد رغم أنهما كانا طفلين في ذلك الحين، أما اليوم وقد رحلا إلي الجنة فلا يصبرني علي فراقهما إلا الإيمان بأنهما قد قضيا شهيدين وبأن لقائي بهما قريب في الجنة إن شاء الله. وأقول دائماً: اللهم أحينا سعداء وأمتنا شهداء واجمعنا بالصالحين. 

عندما قال الناس: كيف دعوت لابنك بالشهادة؟ قلت: هذا ما أراده، وأحببت أن أرضيه وأنفذ رغبته. وما يخفف من ألم الفراق هو نيل الشهادة بشرف، فقد كانا مجاهدين في سبيل الله. وقد عزز حبهما للشهادة انتماؤهما للجناح العسكري لحركة حماس، والحمد الله رب العالمين.

عندما قال لي عامر: ارفعي يديك يا أمي وادعي لي بالشهادة. كان ذلك قبل استشهاده بساعتين. فقلت له: الله يرضي عليك، ويجعلك مع النبيين والصديقين والشهداء؛ من كثرة ما ألح علي، لكنني في الحقيقة كنت خائفة عليه، ولكني كنت أريد أن أرضيه من كثرة الإلحاح، ولم يكن يطاوعني قلبي علي فراقه. 

وعندما قلت له هذه الكلمات أغمض عينيه وكأنه رضي عن الدعاء، وقال لي: إذا استشهدت لا تبكي علي، فقلت له: لا يمكن أن نستغني عن الدموع، فقال: حسناً، يمكنك أن تبكي، وبعد ذلك جهز نفسه، ولبس ثيابه وكان مستعجلاً، وقال لنا: بسرعة، أريد أن استشهد اليوم. وقبل أن يخرج قال: أمي، إرضي علي، كان ذلك بعد صلاة العصر، وخرج. وبعد ثوان أحسست أني أريد أن أحتضنه فناديته، ولكنه كان قد غادر، وبعد خمس دقائق، وأثناء وضوئي سمعت انفجاراً، فصرخت: عامر! وارتبكنا في البيت، ولكنا صرخنا: عامر... فقد كان هو المطلوب الوحيد، وإحساسي أنه هو، ولكن كنت أدعو: يا رب ألا يكون قد استشهد، ولكن بعد لحظات جاء الخبر اليقين، وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها.

أما علي، فقد صلينا الصبح جماعة، ولم أعرف أن أنام في تلك الليلة، وقرأت القرآن. واتصل في الساعة السادسة إلا ربعاً صباحاً بالهاتف ـ وكنا متشوقين لسماع صوته ـ فقال لأخته: هناك حشودات للجيش واشتباكات، وقال: ادعوا لي. وقال لي: أنا في معركة، يا أمي أنا في معركة، حان وقت الشهادة، اسمعي يا أمي، ادعي لي وارضي عني، لقد قتلت جنديين الآن، وجرحت العشرات، والمعركة مستمرة. ولا تحزنوا علي، لحظات وأكون في الجنة.

لقد رفع معنوياتنا، فقلت له: الله يرضي عليك، الله يقويك. وشعرت برضا بقضاء الله وقدره، وأصبحت أدعو وأقرأ القرآن... كل من في البيت كان يدعو، وسمعناه علي التليفون يقول: يا رب، وهو يطلق النار. وكنا ندعو أن يكون الرصاص علي المحتلين من سجيل، وسمعنا باستشهاده بعد الظهر، حيث لم نعرف ماذا حصل بعد ذلك. وقد تقبلنا الأمر بشكل عادي. فقضاء الله وقدره نحن راضون به، فقد كنا نعرف أنه مطارد، وزرناه بعد استشهاد أخيه، أي قبل استشهاده بأشهر (حوالي ستة شهور تقريباً)، وقال لنا: إنه سيؤجل الفصل، فلما سألناه لماذا؟ قال: إنه مطارد ومطلوب لليهود، وسمعنا منه هذا الكلام وجهاً لوجه، وأدركنا أن هذا هو الطريق الذي اختاره لنفسه. وعندما علمنا أنه مطارد شجعناه، وقلنا له: علي بركة الله، وسألنا الله له الشهادة، وسألنا الله أن يكون معه، ولم نأبه لتأجيل الدراسة، لأن الدراسة يمكن أن تكون في المستقبل، وقلنا له: الله معك الله يحميك، وتقبلنا الأمر بشكل عادي. وهذه المرة الوحيدة التي رأيناه بعد استشهاد أخيه، ولم يكن يستطيع الحضور إلي طولكرم، لكنه كان يتصل بنا، ويطمئننا عليه.

أعتقد لو أن كل أم شجعت ابنها علي الجهاد لما بقيت إسرائيل علي وجه الأرض، ولمحيت تماماً من الوجود. وأتمني أن تشجع كل أم ابنها علي الجهاد، وأن تربيه تربية إسلامية، وتشجعه حتي يحب الجهاد في سبيل الله، وحتي ينغرس في أعماقه ذلك الحب، فعندها لن تقوم لإسرائيل قائمة .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:54 pm

نساء فلسطينيات في الانتفاضة

تأليف: غسان دوعر



إنها ميتة واحدة فلتكن في سبيل الله 

خنساء فلسطينية أخرى تعضّ أصابع يديها وتتمني لو أن ابنها الشهيد عاصم تزوّج وأنجب مثل شقيقه الشهيد محمد، وتقول: لو كان حصل لضمنت أن أربّيهم معاً علي طريق الآباء الشهداء ويأخذوا بثأرهم وثأر قوافل الشهداء، وأنا أنتظر أن يكبر مؤمن ليكون علي طريق والده . وأما الوالد أبوعماد الذي رفع الراية الخضراء والعلم الموشح بعبارة التوحيد في يوم التأبين، فإنه لا يقلّ رجولة عن أبنائه السبعة، منهم اثنان في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، واثنان خلف القضبان، واثنان يصارعان الحياة ومصاعبها، وتستمر الحكاية.

هذه المقدمة ليست فصلاً من فصول الحكايات القديمة، تلك التي يمضي بها التاريخ دامية أليمة، بل فصول بطولة لعائلة فلسطينية من قرية تل التي تقع جنوب غرب نابلس، وهي عائلة تمنّت أن تسطر سجلاً لها في سجلات الخلود وروعة البطولة، غير عابئة بما يعيقها في الطريق نحو القدس والكرامة والحرية.

فأسرة يوسف محمد ريحان، المواطن العادي الذي امتهن أبناؤه البناء والمقاولة والدراسة الجامعية للجميع، كانت من العائلات العريقة التي قدّمت وأعطت للوطن والإسلام، ولم تنلْ سلسلة المحن والمطاردات والتهديدات المتواصلة بالقتل وجريمة هدم المنزل وحلقات الاعتقال لدي المحتلين والسلطة من عزيمتها، وظلت علي عهد الشهداء والمعتقلين.

الشهيد محمد (أبو مؤمن) كانت له صفات من العطاء والهدوء عرفها إخوانه المعتقلون في سجن جنيد، فهو الخادم لهم وصاحب البسمة والمتعلق بكتاب الله والصامت الدائم، وكان لا يري إلا بلباسه الأنيق ورائحته الطيبة الزكية، وكان من أسبق المعتقلين لاستقبال الزوار في السجن، تسبقه ابتسامته العريضة حتي نال محبة الجميع. وقدر للشهيد محمد أن يخرج مع نحو ستين معتقلاً من حماس والجهاد كانوا يقبعون في سجن الجنيد في العام 2000م، إثر استهداف المحتلين للمراكز والسجون الفلسطينية ونتيجة للضغوطات الشعبية والتنظيمية، وغاب منذ ذلك الوقت عن الأنظار مع العديد من المعتقلين أبرزهم رفيقا الجهاد، الشهيدان نصر الدين وياسر عصيدة.

وفي ليلة ليلاء من ليالي البطولة الفلسطينية، وهو يوم 12/11/2001، عمد المحتلون القتلة وبعد جمع المعلومات من العملاء إلي محاصرة تل حصاراً محكماً لم تشهده القرية، وكان الهدف منزل الشهيد محمد الذي أحس بالعدو يتحرّك بعد منتصف الليل، فلم يجزع ولم تهتز من جسده شعرة، إذ انه علي موعد مع الشهادة، وغافَلَ المحتلين وأمطرهم بالنار بعد أن وضع العائلة في زاوية أمينة، وفاجأهم مرة أخري يفتح الباب تسبقه هتافات التكبير والاستعانة بالله الكبير، وتدور المعركة، ويسقط علي مدخل منزله مضرجاً بدمائه جريحاً، ويمنع المحتلون والده والعائلة من التقدم لإسعافه وإنقاذه حتي لقي ربه شهيداً طاهراً مطهراً.

أما عاصم فكانت له قصة أخري، إذ انه أعدّ العدة مع كتائب القسام للثأر انتقاماً لأخيه والشهداء، وقصد مستعمرة عمنوئيل، وشرع بإطلاق النار وإلقاء القنابل اليدوية علي حافلة المستوطنين وسيارات حرس الحدود، بل ودخل إلي الحافلة مكبّرا ومهللاً يجهز علي من لم يمت، وقد كان في يده العديد من أمشاط الذخيرة ومسدسه.

وحاولت العائلة مجتهدة البحث عن وسيلة للحصول علي الجثمان دون جدوي، ورفعت القضايا بواسطة محامين ومراكز حقوقية كانت تصطدم بعقبات كبيرة تتشدّد في رفض التسليم. ويبدو أن الشهيد أرعب المحتلّين حياً وميتاً. ويعتبر الشهيد عاصم الشهيد الأول الذي يمنع تسليم جثمانه من الذين نفّذوا عمليات داخل مناطق أراضي عام 1967، ثم تلاه أربعة آخرون من نفس القرية.

أشعر بالفخر لأن الله منحني أبناء كهؤلاء

لجأت وأسرتها من قرية الفالوجة، ليستقر بها الحال في مخيم الشابورة بمدينة رفح، وعانت كباقي الأسر الفلسطينية لحظة اللجوء والتشرد لحظة بلحظة، وهناك تزوجت من الحاج سعيد محمد رزق الذي رحل إلي ربه في العام 1998م، وتوالت عليها الابتلاءات والمحن، وهي صابرة محتسبة. وفي انتفاضة الأقصي، فقدت الحاجة أديبة رزق ثلاثة شهداء ( بسام وياسر ويوسف ) في يوم واحد، بل وفي لحظة واحدة، من بين 13 من الأبناء والبنات حملتهم وهناً علي وهن، من أجل عيون فلسطين، ربتهم علي حب الله ورسوله، وعلمتهم أن فلسطين هي راية الروح المشتاقة للجنان، وأن الله قد زرع فيها بركة للعالمين.

استقبلت، كباقي خنساوات فلسطين، نبأ استشهاد أولادها الثلاثة بالزغاريد، ووقفت كجبل من الصبر، صامدة، وفقدت ثلاثة من أعز أبنائها علي قلبها في وقت واحد، توزع الحلوي علي من جاء يواسيها في مصابها، وتهديء من روع من حولها، وتطلب منهم الدعاء والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن شكراً لله، وتأمرهم بالكف عن البكاء. وقالت بهيبة وقوة وهي تنظر إلي صورهم التي زينت بها واجهة الدار: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأسأل الله أن يجمعني معهم في الجنة، وأحتسبهم عند الله شهداء خالصين لوجهه الكريم، أبنائي هم من حملوا في قلوبهم همّ الامة والوطن، وجاهدوا من أجل كرامة وشرف أمتهم في حين أن الحكام العرب مغيبون عن الساحة والشعب الفلسطيني تقتل نساؤه ويذبح أطفاله ولا أحد يحرك ساكناً، وهم ثأروا لهؤلاء الأطفال المغلوبين علي أمرهم ولكل المستضعفين في الأرض .

وتضيف وهي تجول بذاكرتها وتوزع نظراتها الحانية علي أحفادها الذين تجمعوا من حولها وتطل برأسها تتفحصهم، وتنظر إلي عيونهم وبراءتهم، وتتذكر أبناءها الشهداء الثلاثة واحداً تلو الآخر، فبالأمس القريب كان بسام يأتي لها ويجلس معها يحاكيها، وبالأمس القريب كان ياسر يتحدث إليها ويناجيها؛ فيما كان يوسف (آخر العنقود ) قبل خروجه مع إخوته يقبل يديها، ويطلب منها أن تدعو له، وتقول: كنت أشعر بالفخر لأن الله منحني أبناء كهؤلاء. وكنت أعلم أن من عمل علي رفع دينه، ومن سلك مثل هذه الطريق، ومن يملك مثل هذه الصفات، وجاهد صادقاً مخلصاً من أجل وطنه وإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، سوف تغتاله إسرائيل، فابنائي جميعهم مشاريع شهادة، وأنا فخورة باستشهادهم .

وعن لحظات تلقيها نبأ استشهاد أبنائها الثلاثة قالت الحاجة أديبة رزق: كنت أجلس في صالون المنزل، وعندما سمعت صوت دوي انفجار الصاروخ الأول انقبض قلبي وصرخت بصوت عال، وشعرت أن أولادي أصابهم مكروه، وخرجت أمام المنزل أستطلع الأمر وأنادي علي أولادي، وعندما تيقنت من الأمر، لم أعرف ما أفعل سوي أنني أدركت أن هذا هو قدر الله، فأخذت أزغرد ووقفت أوزع الحلوي علي من جاء يواسيني في مصيبتي... أنا قدمت أولادي الثلاثة فداء لفلسطين، فداء للقدس مسري الرسول الأعظم، الله يرضي عليهم ويجعلهم في مرتبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وأنا علي استعداد لأن أقدم أولادي الباقين من أجل القدس، فلن تكسر دبابات الاحتلال إرادتنا، ولن تخيفنا طائراتهم المروحية، فسيخرج من بين أشلاء شهدائنا من يقارع المحتل ليذيقه الهزائم تلو الهزائم .

لا كرامة لنا إلا بالجهاد والاستشهاد

تضحية الأم نزهة زيادة (أم سهيل) فاقت كلّ الحدود وكل منطق وعقل، لم تكن امرأة عادية كباقي النساء، تجرّعت آلام استشهاد ابنيها الاثنين، وفراق زوجها وابنها الثالث، والقلق علي مصير ابنها الرابع، بمزيد من الصبر والتحمّل والجلد، لم يفت في عضدها شيء ولم ينل من عزيمتها أن هدمت قوات الاحتلال في ليلة من ليالي الشتاء البارد منزلها علي ما فيه. واستحقت عن جدارة لقب الخنساء، يشيد بصمودها وبطولتها وشموخها كلّ أبناء المخيم: انها جبل من الصبر والتحدي والإيمان بقضاء الله و قدره.

كلّ شيء في المكان يوحي بحجم الكارثة التي ألمت بهذه الأسرة، فالمنزل المكوّن من 4 طوابق، والذي كان من أجمل بيوت المنطقة، تحوّل إلي ركام بكلّ ما فيه من أثاث، وأما الخيمة التي أقامتها تلك المواطنة الصامدة الصابرة فتوحي بفصلٍ جديد من فصول النكبة التي تعرّض لها شعبنا الفلسطيني.

بدأت أم سهيل زيادة حديثها بالتعبير عن الفخر والشعور بالاعتزاز لأن الله شرفها باستشهاد نجليها سهيل ومحمد وأنه حقّق أمنيتهما وأن تحققت رؤيتها فيهما. وتقول في قصة استشهاد ابنها سهيل: كنت أصلي قيام الليل بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، وفي سجدتي الثانية جاءني ابني محمد ووضع يده علي رأسي وأخبرني بأن سهيل استشهد خلال قيامه بالاشتباك مع قوات الاحتلال في منطقة شرق غزة، فحمدت الله وأكملت صلاتي، ثم سجدت سجدتي شكر علي ما تحقق له من شرف وأن حقق الله رؤيتها، فقد شاهدت رؤيا في عام 1998 أثناء وجود سهيل في السجن، ورأيت ملكاً يكتب في السماء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)، وبعد الرؤية بأسبوع حلمت بأن سهيل خرج من السجن، وعندما وصل قرب المنزل حضرت طائرة في السماء لونها كالزجاج وصعد ثلاث درجات علي سلم الطائرة، ثم حلقت، وأخذ يلوح بيده يودعني .

وتضيف: لا كرامة لنا إلا بالجهاد والاستشهاد، ولا كرامة لنا إلا بالتضحية والمثابرة والصبر... هنيئاً لولدي استشهاده، فقد رحل وأنا راضية عنه، قبّلته عندما أحضروا جثته في مستشفي الشفاء، وقرأت علي رأسه آية الكرسي، ولم أدرِ يومها كيف زرع الله في نفسي الصبر والسكينة والجلد .

قصص البطولة والفداء لم تنتهِ باستشهاد سهيل، إذ توضح أم سهيل أن ابنها الثاني محمداً كان يلح علي شقيقه سهيل بأن يوافق علي إرساله لتنفيذ عملية استشهادية، وطالما اشتكاه لمسؤوليه بأنه يمنعه من تحقيق أمنيته، وكان ردّ سهيل عليه بأنه لا يستطيع إرساله ولا يستطيع منعه، وأنه يحتاج إلي موافقة والدته. وحول ذلك تقول أم سهيل: ان الشهيد محمد كان يوم استشهاده في الرابع عشر من تموز (يوليو) من عام 2002م، أي بعد شهرين من استشهاد شقيقه سهيل، علي سطح المنزل مع مجموعة من رفاقه يتابعون عملهم اليومي في صناعة المتفجّرات، وإذ بي أسمع دويّ انفجارٍ هائل، بعدها خرج اثنان من رفاق محمد يحملونه وقد غطت الدماء وجهه، وما أن ساروا عدة أمتار حتي سقط منهم علي الأرض، عندها أيقنت أنه استشهد... توجّهت نحوه وقبّلته وحمدت الله أن نال الشهادة التي تمنّاها، فقد كان يشارك في كافة المواجهات التي تحدث مع قوات الاحتلال .

زغاريدي أطفأت فرحة قتلة ابني

نعيمة محمد الأخرس، أم فلسطينية لفتت الانتباه بميناء رفح البري وهي تزغرد بصوت ممزوج بالبكاء وتوزع الحلوي علي رواد الميناء، فانتبه الجيران لصوت الزغرودة غير العادية التي جذبت إليها العقول والقلوب في حالة فريدة غير مألوفة، ذلك أن الزغرودة تنثر في المكان مزيجاً من مشاعر الفرح والحزن في آن واحد. والكل سأل في لهفة عن مصدر هذه الزغرودة؟ فجاءت الإجابة مسرعة كالبرق، إنها نعيمة محمد الأخرس. 
وتصور الجميع أنها تعبر عن فرحتها وهي في طريق عودتها إلي ديارهم بعد أداء فريضة الحج التي وفرها خادم الحرمين الشريفين لأسر الشهداء.

وفي لحظات، كان الجميع حولها في منزلها للاستفسار عن سبب زغرودتها، لكن دموعها الواضحة من خلال الزغاريد التي أطلقتها بينت أن هناك قصة واضحة ما وراء ذلك، قالت لهم والدموع تنهمر من عينيها: لقد استشهد ابني الثاني وأصبحت أماً لشهيدين، إنني في غاية السعادة، لقد ضحي ابناي بحياتهما من أجل تراب فلسطين الغالي ، ثم سجدت الأم شكراً لله وعاد الجميع كُلٌ إلي بيته.

قصة هذه الأم الشجاعة بدأت حينما استيقظت فجر أحد الأيام علي صوت جرافة إسرائيلية وعلي بعد أمتار تقف دبابتان... اقتحم الجنود الصهاينة منزل نعيمة الأخرس وطالبوها هي وابنيها بالخروج من المنزل خلال ربع ساعة لأن هناك قراراً صدر من الجيش الإسرائيلي بهدم المنزل... حاول الابن الكبير وائل الأخرس 23 عاماً مواجهة أحد الجنود الصهاينة، فبادره جندي صهيوني بعدة أعيرة نارية فسقط وائل علي الأرض وسط بركة من الدماء... لم تتمالك الأم نفسها فراحت تبكي بمرارة، إلا أن وائل وقبل أن يفارق الحياة بلحظات قال لأمه وهي تحتضنه بشدة: لا تبكي يا أمي لأن دموعك تُسعد الصهاينة، أرجوك حاولي أن تزغردي وافرحي ... احتفظت الأم بكلمات وائل في قلبها وهدأت من روعها.

بعد عدة ساعات من استشهاد وائل أصر ابنها الثاني جهاد الأخرس ( 18 عاماً) علي الانتقام لأخيه حتي يستريح في قبره، فحاولت الأم إثناءه عن هذه الفكرة خوفاً عليه، إلا أنه هرب من المنزل لينفذ ما عزم عليه. وبعد ساعات جاءت للأم مكالمة هاتفية باستشهاد ابنها جهاد. وفي الحال، تذكرت الأم ما قاله لها ابنها الأكبر وائل فراحت تزغرد وتزغرد بكل قوتها وهي تقول في قلبها: لو كان عندي أبناء آخرون ما بخلت بهم علي وطني.

تروي أم الشهيد وائل قصتها قائلة: لقد بدأ يومي منذ شهرين بعد صلاة الفجر مباشرة علي ضجيج زئير بلدوزر اعمي وصرخات خائفة لجنود مدججين بالسلاح تدعونا للخروج من البيت... كان ذلك قرار هدم البيت الذي صدر منذ أسبوع، فحاول ابني وائل ـ 23 عاماً ـ مواجهة الجندي الصهيوني، حيث التحم به وجهاً لوجه وجسداً لجسد... كان الجندي مدججاً بالسلاح وابني أعزل تماماً، فبادره الظالم بعدة أعيرة نارية ليسقط ابني علي الأرض أمام عيني وسط بركة من الدماء. لم أتمالك نفسي من البكاء والصريخ والعويل، وكان ابني وائل ما زال علي قيد الحياة، وعندما حضرت سيارة الإسعاف وجدت ابني يقول لي: أرجوك يا أمي لا تبكي، فإن دموعك تسعد العدو وتشعره بالنجاح... أرجوك حاولي أن تزغردي وافرحي حتي لا يفرح العدو بقتلي... كانت هذه وصية ابني قبل استشهاده بساعة واحدة... اختفي ابني الثاني جهاد من جواري، وبقيت وحدي أشهد مقاومة بيتي لبلدوزر أحمق يقوده ظلمة، ورفعت يدي أتضرع إلي الله أن يسحقهم ويشردهم .

وتضيف أم الشهيد وائل: في منتصف الليل، جاءت سيارة جنود صهاينة تحمل معها جثة ابني جهاد... نزل منها جنود صهاينة، وقاموا بحمل جثة ابني من السيارة، وألقوه أمامي والفرحة تشع من أعينهم، وقال لي الجندي: هذا ابنك الثاني لقد قتلناه... نظرت إلي أعينهم فوجدتها تفيض من الفرح، تذكرت وصية ابني الشهيد وائل، فوجدتني أزغرد بلا عقل ولا فكر ولا وعي، وما أن انطلقت مني الزغاريد حتي شعرت بأن زغاريدي قد أطفأت فرحة قتلة ابني... لقد صكت الزغاريد آذانهم، ولقد لمحت في عيونهم إحساساً بالعار فنكسوا رؤوسهم تحت وطأتها .

ونتابع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:54 pm

سنبقى ننجب مثل هؤلاء الرجال

عندما تسير بين أزقة وشوارع منطقة بطن السمين في محافظة خان يونس، وبرغم الحزن والأسي الذي يخيم علي هذه المنطقة التي هي ثغر قريب من مستوطنة نيفيه دكاليم الصهيونية (قبل اخلائها)، ستجد بيتاً شامخا بين هذه البيوت المتواضعة يحوي أسرة ملتزمة خرّجت ثلاثة من الشهداء، وهم: محمد ويوسف وثالثهم أحمد مصطفي محمد شهوان الذي باستشهاده ارتقي إلي جوار الرحمن حيث نعيم الجنان.

هي عائلة فلسطينية صابرة محتسبة كبقية الأسر الفلسطينية الأخري، لكنها عائلة من نوع خاص في مقارعة الاحتلال ومقاومته منذ سنين طويلة، حيث تجرعت المر علي أيدي القوات الصهيونية منذ الانتفاضة الأولي لكنها كانت بمثابة الموت الزؤام للاحتلال أينما وجد، فقدمت دماء أبنائها رخيصة في سبيل الله، وواجهت معاناة قاسية جراء إصرار أبنائها علي الاستمرار في النهج القسامي المجاهد منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. فقبل أكثر من عشرة أعوام، وتحديداً في 17/ 3/ 1994م، فقدت هذه العائلة ابنها الأول شهيداً في كمين نصبته قوات الاحتلال له مع مجموعة من كتائب الشهيد عز الدين القسام علي الخط الشرقي في مدينة خان يونس، عندما كانت المجموعة متوجهة لتنفيذ عملية جهادية في رفح. 

ورغم مرور ما يقرب من عشرة أعوام علي استشهاد ابنها، إلا أن الحاجة ملكية شهوان (61 عاماً) تتلمس بيديها مكان آخر قبلة طبعها ابنها علي جبينها، وتضيف: في كل صباح أحتضن صورة ابني وأقبلها وأشعر براحة تامة في ذلك، لدرجة أني لو لم أفعل ذلك يومياً لشعرت بالحزن والضيق، فابني ما زال بين يدي وفي عقلي وروحي ولن يغيب عني مهما طال الزمن .

وتستطرد الحاجة ملكية شهوان وهي تحبس دموعها في مآقيها: لم أندم نهائياً علي أن ابني اختار الجهاد طريقاً لتحرير أرضنا ووطننا علي الرغم من دفعه لروحه ثمناً لذلك، فأنا أفتخر دائماً بمحمد، وأعتبر ما كان يقوم به من جهاد وسام فخر أحمله أنا وكل أبنائي طوال حياتنا . 

وأما بعد استشهاد ابنها الثاني يوسف فقد وقفت والدته موقف النساء الصابرات المحتسبات مذكرة بصحابيات رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهي تتذكر ابنها الشهيد الأول محمداً. وتقول: الحمد لله الذي شرفني باستشهاد ابني الثاني يوسف الذي سيشفع لنا إن شاء الله تعالي، وإني أحتسبه شهيداً عند الله، وأتمني من الله أن يجمعني وإياهم في الجنة .

ورغم الألم الذي يعتصر قلبها علي فقدانها أبناءها، إلا أنها لا زالت تحمل نفس المجاهدين وتقول كلام الشهداء الأكرم منا جميعاً، فهي تحتسبهما عن الله شهداء، ويكفي أنها ستجد من يشفع لها كما تقول الحاجة ملكية، وتضيف: لم أندم نهائياً علي أن أبنائي اختاروا الجهاد طريقاً لتحرير أرضنا ووطننا، علي الرغم من دفعهم لأرواحهم ثمناً لذلك، فأنا أفتخر دائماً بالشهيدين محمد ويوسف، وأعتبر ما كانا يقومان به من جهاد واستشهاد وسام فخر أحمله أنا وكل أبنائي طوال حياتنا .

وأصبحت أم الشهيدين كما أطلق عليها الجيران في المنطقة تحتضن صورة اثنين من أبنائها وتقبلهما صباح كل يوم، بعد أن كانت تحتضن صورة محمد فقط منذ أكثر من عشر سنوات لتضيف دفئاً آخر إلي حضنها الذي اعتاد علي فقد الأبناء شهداء ومعتقلين واحتضانهم صوراً وذكريات. 

وتقول أم الشهيدين بلهجة عزة وافتخار: يتصور الجميع أنني باستشهاد اثنين من أبنائي سأنهار وأسلم الراية، لكني والحمد لله بخير تام ولم أفكر حتي في أن يغير بقية أبنائي نهجهم المجاهد، لأن ما كتبه الله سيكون، وبدلاً من الموت علي فراشنا فالأولي أن نموت شهداء مجاهدين ، وتضيف: والله إني صابرة علي مشيئة الله تعالي، وأودع أبنائي يومياً كشهداء، لأنني علي يقين بأن الله تعالي سيكون دائماً عوناً للمجاهدين الصابرين، فلا داعي لأن نحزن طالما أن الله تبارك وتعالي فضلنا عن غيرنا باستشهاد أبنائنا .

الشهيد أحمد مصطفي شهوان تزوج من أرملة أخيه الشهيد يوسف، حتي يحصّن بيت أخيه ويرعي ابنه عبد الرحمن ليكون له الأب الثاني بعد فقدانه لأبيه، فكان وفياً لدماء أخيه ومحافظاً علي بيته، ولم تمض سنة وشهران علي زواجه منها حتي قرر أن يكون وفياً لأخيه أيضاً بأن لحق به شهيداً، كما كان وفياً لوعده بأن يحفظ بيت أخيه ويرعاه بعد استشهاده. وبهذا، يصبح ابن أخيه الطفل عبد الرحمن يتيماً للمرة الثانية، ولتحمل الزوجة ابن الشهيد أحمد في أحشائها لتسميه عبد السلام كما كان يريد الشهيد أحمد تسمية ابنه، مؤكدة بأنها ستغرس فيه حب الجهاد والاستشهاد ليواصل الطريق الذي كان سار عليه والده وأعمامه.

تلك كانت بعض ملامح الصورة لدي هذه العائلة المجاهدة، والتي ارتسمت تفاصيلها بألوان الدم الأحمر، ورسمت رتوشها بعذابات الأبناء وآهات الآباء، وتم توقيعها بالعهد علي الاستمرار في طريق البنا وعز الدين.

أنا سعيدة لأن الله سيكرمه:

وقفت والدة الاستشهادي تيسير العجرمي تضرب المثل الأعلي في العزة وهي تطلب من النسوة عدم البكاء واحتساب الشهيد عند الله، وأبت إلا توزيع الحلوي والشراب علي روح الشهيد، وقالت: نحن نتقبل التهاني بشهدائنا لا التعازي ونستقبل الشهداء بالزغاريد، إنها اللغة التي لا يفهمها الاحتلال والأمريكان ، ثم ابتسمت مستطردة بالقول: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار . وطلبت أم الشهيد من جاراتها وزوجة ابنها التوقف عن البكاء، وأرسلت أحد أبنائها لشراء الحلوي لتوزيعها علي المعزين قائلةً وهي تمسك بصورة الشهيد: لا تبكين... اضحكن... أنا سعيدة لأن الله سيكرمه .

وبين الرجال كان ناجي، شقيق الشهيد الذي تبعه بعد عدة أشهر شهيداً، يوزع الحلوي علي جموع الحضور وهو يقول: الحمد لله الذي شرفنا باستشهاده، ونحن فخورون بما قام به أخي تيسير . فمنذ أن نفذ أخوه تيسير ( أب لولدين وبنت ) العملية الاستشهادية في معبر بيت حانون أخذ الشهيد ناجي علي نفسه أن يواصل طريق الجهاد التي سار عليها أخوه تيسير رغم أنه لم يمض علي زواجه سوي سبعة أشهر، فعزم أمره وشد رحاله ليلحق بركب قوافل الشهداء، والانتقال الي حياة البرزخ والخلود والنعيم مع الصديقين والشهداء.

وفي صباح يوم استشهاد ناجي استيقظت الوالدة من النوم بعد أن رأت في الرؤيا أن ابنها ناجي سيستشهد ويقام أمام المنزل عرس له وسيحضر الجيران والأهل والأصحاب بتقديم التهاني لها باستشهاد ابنها، وقالت لزوجها: اليوم سيستشهد ناجي وسيقام له عرس الشهادة أمام المنزل ، فلم يهتم الوالد بكلامها ولم يصدقه، وظن أنها قد تأثرت باستشهاد ابنها تيسير. ومن شدة خوفها علي ناجي، وإحساسها بأن رؤياها ستتحقق ردت عليه: اليوم بتشوف. 
ومرت الساعات، ودخل الوقت علي صلاة العصر، وبعد الصلاة كانت الوالدة تجلس مع زوجها، وفجأة دق باب المنزل، وكان الطارق مجموعة من الرجال. 

وعندما بادر أحد أفراد المجموعة بتوجيه سؤال للوالد عن ابنه ناجي مباشرة، قالت الوالدة له: ناجي استشهد... ناجي استشهد؟ فاستغرب الرجل بسرعة بديهة الأم، وقال لها: نعم. فقالت الأم الصابرة والمحتسبة: ناجي له عندي أمانة أوصاني بها ، وخرجت إلي باب المنزل، وأطلقت زغاريد. فتعجب الجيران من الزغاريد التي انطلقت من منزل الشهيد تيسير العجرمي، وخرجوا الي الشارع العام و شاهدوا فرحة الأم باستشهاد ابنها، وعلي الفور أقام الجيران والعائلة عرس الشهيد، وبدأت الوفود المهنئة تتوافد علي منزل الشهيد لتقديم التهاني لأسرته التي قدمت اثنين من أبنائها شهداء في سبيل الله.

صدق الله فصدقه:

الشهيد أسامة محمد حلس، قضي شهيداً خلال شهر رمضان المبارك، عندما شارك إخوانه في اقتحام مستوطنة كفارداروم ضمن تجمع مستوطنات غوش قطيف بتاريخ 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001م مستخدماً سلاحه الذي اشتراه علي نفقته الخاصة. وفي صبيحة اليوم التالي لاستشهاد أسامة، كانت والدته تواسي نفسها والنسوة اللواتي ازدحمت بهن ساحة منزلها، وكأنها تناجي ما ذكره في وصيته: سأصبر لأثبت لك أني استحق أن أكون أم شهيد وسأمسح دمعي، ولن أطاوع قلبي... كان يردد علي: سأتزوج بسبعين من الحور العين وليس واحدة، ويقول: ألا تستحقين أن تكوني والدة شهيد، فأذرف دمعي وأسأله: ولماذا لا أكون كذلك؟ فيجيبني بلهفة المشتاق: لو كنت استحق الشهادة لرزقني الله إياها فأسألي الله أن أكون من الشهداء .

سنبقى على العهد ما بقينا:

اسمها فاطمة الجزار (أم رضوان)، وهي أم فلسطينية تبلغ الستين من عمرها، وزوجها من عائلة الشيخ خليل التي شردت من ديارها عام 1948م من قرية يبنا، ليستقر بها الحال في مخيم يبنا بمدينة رفح، فتعاني كباقي الأسر الفلسطينية لحظة اللجوء والتشرد لحظة بلحظة، وتتوالي عليها الابتلاءات والمحن، وهي صابرة محتسبة. فقدمت أربعة من أبنائها شهداء، وأربعة آخرين من أقاربها، ولا تزال ـ رغم كبر سنها ـ تحمل روحاً ثورية، وهمة وعزيمة لا يحملها كثير من الشباب، ولا يزال لسان حالها يقول: لا حل إلا بالجهاد والمقاومة، وسأستمر في تقديم الشهداء حتي يأذن الله بالنصر.

والحاجة أم رضوان، تتقمص دور الأم الكبري فلسطين التي تقدم كل يوم أبناءها شهداء علي مذبح الحرية من دون أن تضعف أو تكل أو تلين لها قناة، وهي تدرك أن هذه الدماء ستثمر يوماً ما. وقد قدمت الحاجة أم رضوان أبناءها: أشرف وشرف ومحمود وآخرهم محمد الشيخ خليل القيادي في سرايا القدس، كما سبق أن قدمت أخاها شهيداً، وأيضا زوج ابنتها، واثنين من أحفادها، ربتهم جميعاً علي حب الوطن و أرضعتهم معني العزة والكرامة.

قالت أمام مؤتمر صحافي في وسط مخيم يبنا للاجئين بمدينة رفح، ظهر الثلاثاء 28 أيلول (سبتمبر) 2005م، بصوت قوي: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، واسأل الله أن يجمعني معهم في الجنة، وأحتسبهم عند الله شهداء خالصين لوجهه الكريم، أولادي الشهداء قدمتهم فداءً للدين وللوطن وللقضية وللمقدسات، الله يرضي عليهم ويجعلهم في مرتبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولن أندم لحظة علي التضحيات، هم قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، ولقد قدمت قبلهم أخي الشهيد خضر الجزار عام 1967م وابن بنتي الشهيد حسن أبوزيد وابن بنتي الشهيد خالد غنام وزوج ابنتي الشهيد خالد عواجة ، وتابعت تقول: أنا قدمت أولادي الأربعة فداء للأقصي، فداء لفلسطين، فداء للقدس مسري الرسول الأعظم، وأنا علي استعداد لأن أقدم باقي أولادي من أجل القدس، فلن تكسر دبابات الاحتلال إرادتنا، وسنبقي علي العهد ما بقينا . 

وكان محمد الشيخ خليل أحد أهم المطلوبين لقوات الاحتلال الصهيوني، حيث تعرّض لأربع محاولات اغتيالٍ باءت كلها بالفشل، حيث كان آخرها محاولة اغتياله بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع علي بيته. ومنذ ذلك اليوم ولا زالت سلطات الاحتلال تبحث عنه في كل مكان، إلي أن تم استشهاده في قصف جوي بصاروخ واحد علي الأقل أثناء مروره أمام مطعم شعفوط في شارع البحر في حي تل الهوي غرب مدينة غزة.

قالت الحاجة فاطمة الجزار عن لحظات تلقيها نبأ استشهاد ابنها الرابع محمد الشيخ خليل: كنت أجلس في صالون المنزل، وعندما توالت الأنباء باستشهاد ابني محمد في قصف جوي حمدت الله وسجدت شكراً لله علي استشهاده. 

وأدركت أن هذا هو قدر الله، فأخذت أزغرد وأصرخ بصوت عال، ووقفت أوزع الحلوي علي من جاء يواسيني في مصابي، وأخذت النساء من حولي يهدئن من روعي، ويطلبن مني الدعاء والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن شكراً لله ، وتضيف وهي تجول بذاكرتها وتوزع نظراتها الحانية علي أحفادها الذين تجمعوا من حولها وتطل برأسها تتفحصهم، وتنظر إلي عيونهم وبراءتهم، وتتذكر أبناءها الشهداء الأربعة واحداً تلو الآخر: أنا فخورة باستشهادهم، فهم سافروا إلي الجنة عبر رحلة طويلة من الجهاد والمقاومة .

وللحاجة فاطمة الجزار، خنساء رفح، حكاية أخري مع قوات الاحتلال حيث استشهد اثنان من أحفادها في يوم واحد وهما: الشهيد حسن أبوزيد والشهيد خالد غنام. وتقول حول استشهادهما: كان حسن وخالد يلعبان مع أصحابهما في ساحة اللعب، التي تبعد حوالي مئة متر من الشريط الحدودي وتحيطها المنازل الشاهقة، وظهرت فجأة دبابة صهيونية تقوم بأعمال الدورية تقدمت باتجاههما، وصوبت نيران أسلحتها عن عمد ليستشهدا بتاريخ 9/4/2005م.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:55 pm

الحاجة فرحة

أدخلت الحاجة فرحة البرغوثي (74 عاما)، من قرية كوبر شمال رام الله، إلي قسم العناية المركّزة في مستشفي الشيخ زايد برام الله في بداية نيسان (إبريل) 2005م، وبعد جملة من الفحوصات والتحاليل، أخبر الأطباء عائلتها أن كل شيء بيد الله، فلم يعد أمام الحاجة سوي أيام، واختصر الأطباء الأسباب في أن كبيرة عائلة البرغوثي في كوبر وأم كل الأسري كما يسميها البعض، تعاني من مشاكل صحية عديدة، أخطرها وجود مياه علي الرئة، وهبوط في دقات القلب، إضافة إلي تدهور في وظائف الكبد أدي إلي حدوث تشمع كبدي، وانتفاخ في البطن.

معاناة الحاجة فرحة كان من الممكن أن يطويها النسيان لولا وجهان من وراء القضبان ظلا يلوحان أمامها بين صحوتها وغيبوبتها، نائل وعمر.. بدي أشوفهم قبل ما أموت ، ظلت تلح بالقول، فقد اعتقل ولدها الأصغر نائل في الرابع من نيسان (أبريل) عام 1978م، برفقة شقيقه الأكبر عمر وابن عمه فخري بعد أن اتهموا بالقيام بعملية فدائية في منطقة النبي صالح شمال رام الله أدت إلي مقتل طيار صهيوني، وحكم عليهم جميعا بالسجن مدي الحياة.

وفور إطلاق الحكم بالسجن مدي الحياة أطلقت الحاجة أم عمر الزغاريد، وعندما سألها جنود الاحتلال عن سبب الزغاريد وقد حكم علي ولدها بالسجن مدي الحياة؟ ردت عليهم قائلة: إنه قد نجح في حرق قلوب الأعداء ويستحق ذلك الفرح.

ومنذ سبعة وعشرين عاما فشلت كل اتفاقيات الهدنة والمفاوضات وصفقات التبادل في أن تعيد الأسيرين إلي أحضان أمهما أو فخري الذي لا يناديها سوي أمي الحاجة فرحة بعد أن فقد أمه بينما كان صغيرا، وفي كل مرة تعود من استقبال المحررين من الأسري بخفين من دمع وألم.

وكان عمر أبو عاصف ابنها الأكبر قد أطلق سراحه عام 1985م بعد ثماني سنوات قضاها في الأسر، ولكن أعيد اعتقاله لاحقا لمدة 40 شهرا تحت الاعتقال الإداري، ومن ثم لثلاث سنوات ونصف أخري. وقبل أقل من عام ونصف التحق عمر مرة أخري بركب أخيه في سجن عسقلان ، وما زال حتي الآن ينتظر حكما لا يبدو أنه سيكون قصير الأمد.

تقول الحاجة فرحة: في العام 1978 اعتقلوا نائل لأول مرة عشرين يوما لأنه سرق عصا لأحد الجنود، وعندما خرج من المعتقل قال لي: يا أمي، رأيت نفسي بين المعتقلين مثل الدجاجة الصغيرة...عرفت أن نائل يسعي إلي عمل أكبر. وبعد ذلك بشهر تقريبا، جاء الجنود وطرقوا الباب بشدة، فقام زوجي وفتح الباب لهم، فقالوا نريد نائل، وقاموا باعتقاله، وبالطبع كسَروا الأثاث والبيت. وبعد أيام جاؤوا مرة أخري واعتقلوا عمر حيث كان يقودهم ضابط مخابرات اسمه أبوطارق قلت له: زي ما أخذت أولادي من الفراش الله يبعث أولاد حلال يأخذوك من أبنائك. وبعد سنوات، وعندما دخل الاحتلال إلي جنوب لبنان قتل أبوطارق في عملية تفجيرية حدثت في منطقة صور .

وتضيف أم المعتقلين: بعد اعتقال نائل وعمر لم أعرف ما تهمتهما إلا من التلفزيون الذي بث محاكمتهما، وتفاجأنا أن تهمتهما قتل مهندس الطيران الإسرائيلي. وعند أول زيارة لنائل قال: يا أمي يريدون أن ينقلوني إلي سجن السبع، فقلت له: سجن السبع للسبع، ونقلوه إلي هناك. ومنذ ذلك التاريخ لم يبق معتقل من المعتقلات إلا زرته، وكان لي حكاية فيه، سواء مع الشبان أو الجنود الذين كانوا يحاولون أن يضيقوا علينا وعلي المعتقلين. فكنت دائما علي عراك معهم، ودائما يقول لي نائل: يا أمي، كل الشبان هنا وأهلهم يعرفونني ويعرفونك، فأقول له: يا بني أنا لست أمك وحدك أنا أمهم جميعا. وكثيرا ما كنت أزور معتقلي الدوريات ـ معتقلي الدول العربية ـ فكثير منهم ليس لهم أهل ويعتبرونني أما لهم، وكلهم عزيزون علي قلبي ولا أفرق بينهم وبين نائل أو عمر .

توالت المحن بعد ذلك علي الحاجة فرحة، فقد قدر لها أن تكون هناك في حافلات الصليب الأحمر مع كل فجر يوم لتزور ابنيها الاثنين وزوجها. فمن سجن السبع إلي عسقلان إلي مجدو والظاهرية إلي جنيد ونفحة والنقب، كل هذه الأسماء كانت محلا لزيارات الحاجة فرحة. فعمر كان في الجنيد، ونائل في عسقلان، وزوجها يتنقل من معتقل إلي آخر، وكان لا بد لها أن توفي إلي أبنائها وزوجها الذين تخيروا فاختاروا طريق الجهاد.

الحاجة فرحة بعد هذا العمر عاشت علي أمل واحد فقط هو أن يأتي اليوم الذي تضم بين ذراعيها ابنها نائل الذي دخل السجن في الثامنة عشرة من عمره وهو اليوم فوق الأربعين. وأكبر أمنياتها أن تفرح به قبل أن تموت، وتكشف أم المعتقلين: قال لي نائل أن أسجل شريط فيديو حتي يبقي يراني إذا لم يخرج من السجن وأنا علي قيد الحياة .
الحاجة فرحة البرغوثي، والدة ثاني أقدم أسير في سجون الاحتلال، توفيت بعد أن رفضت إدارة السجون الإسرائيلية السماح لها مرة أخري برؤية ولديها اللذين انتظرتهما طويلا دون جدوي.

كلهم فداء للوطن

قال لها قاضي المحكمة الذي نطق بالحكم الجائر علي ابنها الضرير عبادة: لا يحق لأم مثلك أن يكون لديها أبناء يكفنونها عند الموت، لأنك أنجبت خمسة إرهابيين، ودولة إسرائيل ستحرص علي حرمانك من رؤيتهم لآخر لحظة في حياتك . ولم يسمح لها بزيارة أبنائها، حتي الاتصالات شبه معدومة بسبب الحجز الانفرادي لمعظمهم إن لم يكن لجميعهم، حيث تقول الحاجة أم بكر والدة عضويين في كتائب القسام: إن أبنائي معتقلون في سجون مختلفة وبعيدة عن بعضها، ومرات كثيرة تتصادف مواعيد الزيارات في ذات اليوم مما يزيد من حيرتي، ولا أستطيع أن أزور اثنين معا؛ فالإجراءات التي تتخذها مصلحة السجون بحقهم تأخذ وقتا طويلا تستنفد ساعات النهار بكامله، كما أنهم لا يصدرون لي إلا تصريحا واحدا للزيارة .

أم بكر حاولت أن تحبس دمعتها وهي تجلس في البيت الذي أعتم بسبب غيابهم، ومن يستطيع أن يمنع نزول دمع من عين افتقدت خلف قضبان السجن خمسة كزهور الربيع؟ هل تكفي كل كلمات المواساة المخطوطة في القواميس للتخفيف عنها؟ أم هل تستطيع الصور الحد من حرقة الشوق إليهم؟

توقعت أن يسرق مني الاحتلال ككل الفلسطينيات أحد أبنائي لكن ليس الخمسة! كان المنزل يضج بالحياة والحيوية، لكنه اليوم يشتاق لهم، وجدرانه تفتقدهم ، هكذا تتحدث أم بكر وهي تشحذ نفسها بالصبر والإيمان بجسدها النحيل الذي هده البعد والجوي، فهم خمسة شباب تتكحل العين برؤيتهم: هذا يداعبها وذاك يقبل جبينها، والآخر يأخذ يدها ويطلب الدعاء، ولم تتوقع أم بكر أن هذا البيت سيفتقد يوما تلك الشقاوات أو تلك الضحكات، فهم خمسة من المستحيل أن يرحلوا مرة واحدة، لكن الاحتلال لم يجعل علي الأرض شيئا مستحيلا، وحكم القاضي بـ 700 عام من السجن، هي مجموع ما سيقضيه أبناؤها الخمسة خلف الأسوار الصهيونية.

والسؤال الأول الذي يراود أيا منا: ما هو شعور والدين في غياب جميع أبنائهم خصوصا وأنهم يقبعون في سجون الاحتلال؟ بكر، عمر، معاذ، عثمان، وعلي، خمسة أشقاء أبوا العيش الذليل الذي يحاول المحتل فرضه علي شعبهم ومستقبل حياتهم.

بدأت حكاية أم بكر مع الاعتقالات يوم أن وقع ابنها معاذ أسيرا في سجون الاحتلال؛ حيث يقضي الآن حكما بالسجن المؤبد 26 مرة بالإضافة إلي 25 عاما و24 شهرا، ويتهم الصهاينة معاذا بأنه أحد العاملين مع قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، وهو معتقل منذ العام 1997م في سجن نفحة الصحراوي، في حين يمكث الابن الثاني عثمان في سجن عسقلان بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات منذ عام 1995م. وعثمان كان يعمل ضمن خلية ما يعرف بتلاميذ المهندس يحيي عياش والتي نفذت عمليتي رامات غان في تل أبيب ورامات أشكول في القدس، أي أن معاذ وعثمان لا يمكن أن يلتقيا بالوالدين إلا بقدرة ربانية.

عبادة الكفيف صانع متفجرات

ولم تكتمل حكاية أسرة أم بكر بعد؛ فـعبادة، الابن الأصغر، له حكاية أخري، إذ لم يشفع له فقدانه للبصر وكونه كفيفا ليعتقله الجنود الصهاينة، وتُصدر عليه إحدي المحاكم العسكرية حكما بالسجن إحدي عشرة سنة. والتهمة الموجهة إليه أنه أحد صانعي المتفجرات، والمشرف علي إنتاج وتطوير صاروخ القسام في الضفة الغربية، حيث اعتقل خلال ما سمي بعملية السور الواقي عام 2002في وادي الفارعة، وكان اسمه مدرجا علي قوائم الاغتيال بتهمة محاولة تصنيع صواريخ القسام في شمال الضفة الغربية، وحين اعتقاله لم يكن قد مضي سوي شهر واحد علي زواجه.

وأما بكر، الابن الأكبر، وهو متزوج وله أربعة أطفال ينتظرونه علي أحر من الجمر، فهو قيد الاعتقال الإداري، حيث يتم التجديد التلقائي له كلما انتهي حكمه وقضي حتي الآن أربع سنوات في السجن، وليس هناك أفق من أجل الإفراج عنه، والتهمة وفق لوائح الاتهام الصهيونية أنه ناشط في حماس .

وبعد أن قضي الابن الخامس عمر محكوميته البالغة عاما ونصفا بتهمة تقديم المساعدة لشقيقه المطلوب تم تحويله إلي الاعتقال الإداري ليتم التجديد له ثلاث مرات، ولم يفرج عنه إلا في كانون الأول (ديسمبر) 2004، والتهمة كانت مفصلة كأخيه، واعتقل في نفس اليوم الذي اعتقل فيه شقيقه الأكبر بكر.

وأما علي الشقيق الأصغر، الذي كان طالبا في السنة الأولي في قسم الصحافة في جامعة النجاح الوطنية، فقد اعتقل كما تقول أمه في الاجتياح الأول لمدينة نابلس في 16/4/2002، وترك زوجته وراءه. وفي المحكمة أبلغ القاضي أم بكر مرة أخري: يجب إحراق دمك علي أبنائك، فهم مخربون ، فقابلته بابتسامة وقالت: هم فداء للوطن .

ولكن دعوات أم بكر لأبنائها متصلة لا تنقطع، ورجاؤها برب العالمين كما تقول كبير: الإيمان بالله، وبقضائه وقدره، الوصفة السحرية لتجاوز أي محنة، نحن لا نملك شيئا بيدنا، فكله مقدر ومكتوب علينا، هم اختاروا طريقهم وساروا فيه. وإن لم يقدر الله لي رؤيتهم في الدنيا فأنا أدعو الله ليل نهار أن يجمع بيننا في الآخرة، ومهما حاول الاحتلال أن يكون سببا في فصل جسدي عن أجسادهم فأرواحنا متصلة .

تتحدث أم بكر، ولا تفقد الأمل بل تجعلك تستمد قوة من كلماتها وبسماتها، علي الرغم من منعها من زيارتهم داخل السجون بعد عزلهم في زنازين منفردة.

وتشير الأم الصابرة إلي أنه بعد انتفاضة الأقصي المبارك باتت الزيارات صعبة ومعقدة، وغالبا ما يتم إلغاؤها أو منعها هي شخصيا من الزيارة، فما أن يعرف السجان الإسرائيلي أنها والدة أحد المعتقلين من عائلة سعيد بلال حتي يمنعها من مقابلة ابنها المقصود.

تقول أمّ بكر عن هذا: لم تكتفِ سلطات الاحتلال باعتقالهم، بل تمنعني وزوجي من زيارتهم جميعا، فلم أرَ عثمان منذ محكمته قبل ثماني سنوات، ومعاذ لم أرَهُ أيضا منذ أربع سنوات، وعبادة الصغير رأيته من بعيد يوم المحكمة، وكانت حالته يرثي لها و ملابسه سيئة للغاية، وكذلك بكر أحرم من زيارته بحجّة المنع الأمنيّ.

ولا تنظر أمّ بكر باستهجانٍ للسياسة القمعية الصهيونيّة بحقّ عائلتها، بل تعتقد أنّ اعتقال الاحتلال لأبنائها الأربعة بعد أنْ أُفرِج عن الخامس هي سياسة تفرضها طبيعة المحتلّ الغريب الذي يشعر بالخوف في كلّ لحظة يتباهي فيها بالانتصار. وتختم أمّ بكر كلامها قائلة: ما يصلني عنهم أنّ معنوياتهم عالية، وأملي أنْ يعودوا سالمين، فأنا وهم مؤمنون بالله وكذلك مؤمنون بعدالة قضيّتنا، وأنا علي يقينٍ أنّني سأحتضنهم يوما ما كيقيني أنّ الاحتلال في فلسطين إلي زوال .

تضامنت مع ابنها الأسير فلحقت بابنها الشهيد:

عائشة محمد حماد الزبن أسلمت الروح إلي بارئها مساء الأحد الموافق 30 آب (أغسطس) من عام 2004 عن 55 عاما قضتها أمّا للشهداء والأسري، عاشت علي أمل حريتهم، وماتت من أجلهم. وتربي في بيتها القادة الشهداء أيمن حلاوة ومهند الطاهر، ومن بيتها أيضا خرج الأبطال إلي ساحات القتال. وكانت قد تقدمت لأداء فريضة الحج مرتين، فلم يكتب لها ذلك، وانتقلت إلي جوار ربها قبل أن تنعم بلقاء ابنها أو أداء فريضتها.

كانت عائشة الزبن تحلم بيوم تحتضن فيه نجلها عمار في وطن لا يعرف الاحتلال الذي حرمها من نجلها بشار قبل نحو عشر سنوات. ولكن حلمها لم يتحقق، وغادرت شهيدة وهي مصرة حتي آخر لحظات حياتها علي مشاركة نجلها عمار آلام الجوع التي يعيشها في سجون الاحتلال ثمنا لمحاولته تحرير أرضه من دنس الاحتلال وهو يقضي حكما بالسجن المؤبد 27 مرة، إضافة إلي خمسة وعشرين عاما.

عائلة الزبن واحدة من تلك العائلات التي قدمت لفلسطين وشعبها الكثير مما يمكن لأي عائلة في حجمها أن تقدمه، فهذه العائلة مكونة من أب وأم وخمسة أبناء أكبرهم بشار الذي قضي خمس سنوات من عمره في سجون الاحتلال إبان الانتفاضة الأولي بتهم تتعلق بانتمائه لحركة حماس، ليفرج عنه عام 1993 ثم يستشهد بعد عام واحد علي خروجه من السجن.

وأما عمار، فله قصة أخري مع الاحتلال، فهو أحد قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام البارزين، وكانت له صولات وجولات في ميادين الجهاد برفقة مهند الطاهر وأيمن حلاوة ومحمود أبوهنود، قبل أن ينكشف أمره ويعتقل عام 1997، وله اليوم ابنتان: بشائر وكانت في عامها الثاني، و بيسان وولدت بعد اعتقال والدها ولم تره منذ ذلك التاريخ، حيث وجهت له عدة تهم تتعلق بنشاطه في صفوف الكتائب ومسؤوليته عن عدة عمليات استشهادية. وهكذا، بقيت أم عمار مع واحد فقط من أبنائها الثلاثة.

ورغم ما كانت تعانيه أم بشار من أمراض كالضغط والسكري وإصابتها بجلطة قبل أربعة أشهر من وفاتها، إلا أن معايشتها لمعاناة الأسري، ومن بينهم ابنها عمار، كانت أقوي من أن تقف كل أسقام الدنيا حائلا أمام عزيمتها وثباتها، فخاضت إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ اليوم الأول لبدء الإضراب في السجون، في إصرار عجيب عجز عنه الأصحّاء، وكانت تتواجد في خيمة الاعتصام بشكل يومي، تحمل صورة الابن الغائب في سجون الاحتلال، وتجلس إلي جانب أمهات الأسري لتخفف عنهن بعضا مما يعانينه جرّاء غياب أبنائهن.

ومع استمرارها بالإضراب عن الطعام، أصيب جسدها بالهزال والضعف العام، إلي أن أصابتها نوبة قلبية حادة، فتم نقلها إلي مستشفي المقاصد بالقدس وأجريت لها عملية قسطرة، وتقرر إجراء عملية جراحية لها لفتح الشرايين قريبا. وخلال وجودها في القدس المحتلة لم تكن لتنقطع عن فعاليات الأسري، حتي وهي في هذه الحالة الصحية الصعبة، إذ كانت في خيمة الاعتصام المقامة هناك.

ومنذ اليوم الأول لإقامة خيمة التضامن مع الأسري في نابلس، واظبت عائشة الزبن علي الحضور كلّ صباح والمغادرة في المساء. فقد ذكر معتصمون في الخيمة المقامة وسط نابلس، أن والدة الأسير عمار الزبن ـ الشهيدة عائشة ـ شعرت قبل أربعة أيام بألم في صدرها بينما كانت في خيمة الاعتصام في المدينة، ما استدعي نقلها إلي طبيب أوصي بنقلها إلي المستشفي بعد أن أوضح لأسرتها أن ثلاثة من شرايين قلبها باتت مغلقة. ولكن الشهيدة، وما ان وصلت مستشفي المقاصد حيث حوّلت، حتي توجّهت إلي خيمة الاعتصام المقامة في القدس تضامنا مع الأسري. 
محاولات حثيثة بذلها الأقارب والأحباب لثنيها عن مواصلة الإضراب، لكنها كانت تواجههم بسؤال يكشف عن حجم مشاعر الأمومة التي تحملها تجاه ابنها: كيف لي أن آكل وعمار مضرب عن الطعام ؟

وبعد أن حرمت من زيارة ابنها عمار في سجن عسقلان بسبب ظروف الانتفاضة واعتلال صحتها، نقل إلي العزل، فحرمت من سماع صوته علي الهاتف، ولم يرِدْها أي اتصال من عمار لعشرة شهور، عوضا عن زيارته الممنوعة، مما فاقم قلق والدته التي كانت تزداد توترا و حزنا حين تتحدّث لأطفاله الذين لم يشاهدهم.

واتحد الجوع مع القهر، ما جعل قلب الأم المقسوم شطرين بين السجن وخيمة الاعتصام أضعف من الصمود أمام فكرة الموت البطيء الذي بات يحاصر الابن الثاني في زنزانته.

وتوضح دلال محمود الزبن التي لم تتمكن من زيارة زوجها ـ عمار الزبن ـ غير مرتين منذ اعتقل قائلة: دون توقف كنا نحاول ثنيها عن مواصلة الإضراب الذي باشرته مع إعلان الأسري إضرابهم، لكنها كانت ترفض، وتقول: كيف لي أن أتناول الطعام وعمار مضرب عنه ، وتضيف دلال: إن حالة من القلق والغضب والحزن تراكمت في نفسها إثر إضراب الأسري المتواصل عن الطعام وقادت إلي استشهادها. ففي القدس وبعد أن أدخلت المستشفي وحدّدت لها عملية في وقتٍ لاحق، عادت من جديد للاعتصام في الخيمة المقامة في القدس وبقيت تتردّد عليها يوميا، وخلال هذه الفترة ظلّت حالتها تتراجع مما حدا بالأطباء إلي إجراء عملية لها، تكلّلت بالنجاح، ولكن حالتها انتكست بعد بضع ساعاتٍ و فارقت الحياة . وشيّعت جماهير نابلس جثمان الشهيدة عائشة الزبن، انطلاقا من ذات الخيمة التي كانت أحد المواظبين علي الاعتصام فيها.

عائشة، بشار، وعمار الزبن، ثلاثة جمعتهم صفحة الورق الحزين صورة بأيدي العشرات وعلي الجدران في نابلس بعد أن فرقتهم دموية المحتل، فقد سقط بشار كي يفك قيدا يكبل وطنا، ورضي عمار السجن عمرا ثمنا لحرية الأبناء، فيما رأت الأم الموت دربا يصون بعض إنسانية وكرامة الابن في زنزانته.

سننجب جيلا آخر وندعمه
في سبيل حرية الوطن:

ولدوا من أجل الوطن، وأربيهم من أجل الوطن، وسوف يموتون من أجل الوطن ، بهذه الكلمات بدأت السيدة أم لؤي حديثها عن عائلة تستحق أن يطلق عليها اسم (عائلة النضال)، فزوجها اعتقل مرتين (عام 1971 وعام 1975) لفترة أربع سنوات، اثنان من أبنائها الأربعة (لؤي وأبي) معتقلان ومحكومان، حتي هي نفسها لم تفلت من معتقلات الاحتلال وقبعت خلف قضبان سجونه أربع سنوات عام 1973، التهمة واحدة وإن تعددت المسميات والمعطيات ألا وهي: مقاومة الاحتلال.

أم لؤي، تجلس علي كنبة وحولها صور أبنائها معلقة علي جدران الغرفة المزينة باللوحات والأعلام، ترفع رأسها وتتحدث عن عائلتها كأنها تروي قصة عمرها قرون، دون أن تهتز أو تتعب. ولكنها تستهجن تأثر بعض الناس من تفاصيل قصة العائلة، فتطلب من هؤلاء(كما هي تشعر ) بأن يفخروا وبأن يشاطروها السعادة نتيجة تربيتها لابنائها. وتؤكد بأن تأثرها بالأحداث التي مرت بها هي وزوجها لم يثبط من عزيمتها في توريث أبنائها حب الوطن والعمل من أجله.

وتضيف: ان الحياة عزيزة علي الإنسان وتعلمه الدروس والعبر، وأنا كأم وفي ظل الوضع الذي يعيشه وطني فمن واجبي أن أتحول من أم حنون فقط الي أم تربي وتنشئ جيلا حرا يعيش بكرامة واستقرار. والاحتلال هو الذي فرض علينا العيش في حالة التوتر والقلق، وهو الذي فرض علينا الكفاح من أجل انهاء هذه الحالة .
لؤي عودة (26 عاما)، اعتقل في رام الله ووجهت له تهمة التدبير والمساعدة في قتل الوزير اليميني (زئيفي) بحجة أن السيارة التي قام الأبطال باستئجارها كانت باسم لؤي، لكنهم ليس لهذا السبب فقط اعتقلوا لؤي، فالجيش كما قالت السيده أم لؤي كان يلاحقه منذ عام 1996م، بتهمة النشاط السياسي المناوئ لها. وقد حكم علي لؤي بالسجن ثمانية وعشرين عاما.

وتتحدث السيدة أم لؤي عن ابنها الثاني (أبي)، وتفخر بأنه سار علي ما تربي عليه: حب الوطن والمقاومة، فهو معتقل الآن في سجن مجدو، محكوم عليه بالسجن خمسة اعوام.

وقد تنقل أبي بين معظم السجون في محاولة من سلطات الاحتلال لتركيعه وإضعافه وإضعاف أهله: من المسكوبية إلي تلموند إلي الرملة إلي هدريم إلي الرملة ثانية ثم إلي النقب حتي آل به المطاف إلي مجدو، إرادته قهرتهم وهو لم يقهر، تخبو نارهم، ونار الحقد علي العدو لن تخبو في قلب أبي. وتتحدي الوالدة سلطات الاحتلال فتقول: بعد خروج أبي من السجون ـ بعد خمس سنوات ـ إن شاء الله، سوف يزداد حقده وكرهه لهم، وبالتالي سيزيد وعي أبي لمقاومة الاحتلال لأن السجن مدرسة .

أم لؤي جعلت نفسها إلي نهاية الحديث، والمغزي من ذلك أنها تعتبر ما مرت به لا يذكر، قياسا إلي التضحيات التي قدمها أبناؤها، فهي أيضا اعتقلت بنفس التهمة السابقة والوحيدة. وتنهي أم لؤي حديثها مستنكرة ما يتردد علي لسان البعض بأن المرأة مكانها البيت، وتقول: كيف؟؟ دور المرأة لا يقتصر علي البيت بل إلي مقاومة الاحتلال أيضا، نحن الفلسطينيين لا نكتب قصصنا لكي يشفق علينا الآخرون، إنما نفتخر بها، ونحن شعب لا نندم علي شيء فعلناه في سبيل الوطن، وأولادنا لن يذهبوا خسارة، بل سننجب جيلا آخر وندعمه في سبيل حرية الوطن. ولا بد أن يأتي يوم علينا ونري أمام أعيننا نتيجة النضال الذي نخوضه في تلك الأيام .

حكموه (17) مؤبدا 
فأطلقت زغرودة أغاظت الصهاينة:

هذا نموذج آخر مليء بالصبر والعطاء والصمود والتضحية، حيث كانت والدة المجاهد المعتقل نور محمد شكري جابر تتعالي علي الآلام والمعاناة كأنها طود شامخ في وجه الجلادين، ففي كل يوم منذ بداية التضامن مع المعتقلين في إضرابهم كانت والدة نور جابر تحمل صورة ابنها مع ابنتها، ومن أحب نور وجهاده، وكانت الصورة عبارة عن سجانين صهاينة ينقلون نور أثناء المحاكمة وهو مكبل اليدين والقدمين.

والدة نور لم تعبأ بطول المسافة بين جامع الأنصار أو جامعة الخليل أو مقر الصليب الاحمر الدولي ومقر التواجد الدولي، فهي دوما بالرغم من تقدمها في السن كانت تحمل صورة حبيبها ولا تمل وتهتف في المسيرات ولا تتراجع، وهي تعلم أن حلمها بإطلاق سراح ابنها لن يتحقق، لكنها كانت دوما تقول: الله قادر علي كل شيء، وكل ما ترجوه الآن أن يحظي المعتقلون بمعاملة إنسانية.

وتروي أم نور جابر قصة معاناتها وصبرها مع ما واجهت من قوات الاحتلال منذ ما يزيد عن (15) عاما، إذ ان نور كان يراقب عن كثب معاناة الأسر الفلسطينية هناك، وكان يشاهد يوميا أيضا ما يقوم به.

كما أن جميع أفراد العائلة تعرضوا للاعتقال والتعذيب علي أيدي جنود الاحتلال بدون استثناء، وفي الفترة التي وقعت فيها عملية وادي النصاري اعتقلت قوات الاحتلال الوالد والوالدة والأشقاء والشقيقات وحولتهم جميعا للتحقيق. وبعد فترة وجيزة أطلقت سراح الأم والشقيقات، وظلت زوجته رهن الاعتقال وحكمت بالسجن الإداري لمدة ستة أشهر، وكذلك شقيقه شكري، ثم قامت سلطات الاحتلال بهدم المنزل المكون من طابقين وست غرف وقاموا بتشريد الأسرة. وفي الفترة التي كان فيها نور مطلوبا لقوات الاحتلال، كان الجنود الصهاينة يقتحمون المنزل بشكل يومي ويحطمون الأثاث ويعتدون علي أفراد العائلة، وكانت هذه الفترة من أصعب الفترات في حياة عائلة نور جابر.

وكان نور جابر قد نشط ضمن مجموعة عملت خلال انتفاضة الأقصي ونفذت العديد من العمليات العسكرية الجريئة. وفي قاعة المحكمة العسكرية الصهيونية صدحت والدة المجاهد المعتقل نور جابر بالزغاريد عندما حكمت المحكمة علي ابنها بالسجن مدة 17 مؤبدا، ولما شعر القضاة والحراس بالغيظ اعتدوا عليها بالضرب وأخـــرجوها من قاعة المحكمة.

ونتابع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:56 pm

أم نضال فرحات
تخطب الحورية العيناء لأبنائها

السيدة مريم محيسن (أم نضال فرحات)، أو خنساء فلسطين كما تطلق وسائل الإعلام عليها: نحن أمهات فلسطين لنا مشاعر وعواطف إنسانية كباقي أمهات العالم، ولكننا نوظّف هذه المشاعر والعواطف من أجل خدمة هذا الدين العظيم، وإذا أردنا العيش لعواطفنا ومشاعرنا فقط نكون بعيدين عن ديننا وشرعنا، والله لا يغلي عليه شيء حتي لو كان الولد أو أنفسنا . 
وتضيف في رسالة وجّهتها لكلّ أمهات العالم قالت فيها: نحن لا نحبّ الموت لأبنائنا، بل نحبّ العيش بأمن وسلام واستقرار، لكن إذا اضطررنا لغير ذلك فإننا نفـــــعل ما يمليه علينا الواجب المقدّس نحو أوطاننا، فنحن لسنا هواة قتلٍ أو تدميرٍ ولكن نريد أنْ نحرّر هذا الوطن من هذا المحتلّ الغاشم، ونعيش في أرضنا في أمنٍ وسلام، ونحافظ علي أبنائنا، ونعيش في حرية كبقية بلاد العالم .

نذرت أبنائي راضية مختارة لله:

كانت بداية ظاهرة جديدة، سميت إعلاميا وشعبيا بظاهرة أم نضال فرحات، هذه المرأة المجاهدة التي كانت تستشعر أمومتها لكل مجاهد، فلم تؤثر الصمت، وآوت في بيتها المجاهدين المطلوبين لقوات الاحتلال الصهيوني وعلي رأسهم القائد الشهيد عماد عقل، وظهرت في شريط الفيديو وهي تودع ابنها المجاهد وهي تعلم أنه لن يعود إليها. فكانت مدرسة بإيمانها، وبتواضعها، وبصبرها، وثباتها ورباطة جأشها، إنها حجة علي الأمة جميعها، وقفت ـ بكل تواضع ـ شامخة تدعو إلي الجهاد، تدعو الأمهات وتدعو شعب فلسطين وتدعو المسلمين جميعـا: لو ذهب أبناؤنا كلّهم في سبيل الله ما زادنا هذا إلا ثباتا وإيمانا ويقينا بالله عز وجل ، مؤكدة أنّ الشعب الفلسطيني لن يترك هذه الطريق مهما بلغت التضحيات في سبيل الله لأنها لن تكسر إرادتنا بل ستزيدها قوة.


قاموا بتأدية واجبهم واصطفاهم الله شهداء 

مثال آخر عن دور ام نضال، وذلك إبان الانتفاضة المباركة الأولي، فقد ترعرع عماد ـ رحمه الله ـ في بيت أم نضال حيناً من الدهر، متخفياً. يعيش وسط الأسرة كأحد أبنائها، حتي أدركته الشهادة عقب مسيرة جهادية طويلة ومريرة. فآنذاك وجد الشهيد عقل في أم نضال أمه الثانية، وفي عائلة أم نضال عائلته التي لم تتمايز عن عائلته الأصلية، فكان فرداً من أفراد الأسرة، يعيش عيشها، ويحيا حياتها، يسعد لسعادتها، ويتألم لألمها، وكانت بالنسبة له الضالة المنشودة التي احتاجها بشدة فترة المطاردة والملاحقة الصهيونية، والملجأ الحصين الذي قضي فيه جزءاً عزيزاً من حياته مغموراً بالحماية والتغطية والإسناد، والمحضن الوفي الكريم الذي أفاض عليه من العطف والرعاية والحنان الشيء الكثير.

وكما كانت أم نضال وعائلتها للشهيد عماد عقل مثالاً ناصعاً للوفاء اللا متناهي، والتضحية الواسعة والعطاء غير المحدود، فإن الشهيد عماد عقل ـ رحمه الله ـ قد ترك بصمات عميقة وآثاراً غائرة في صميم أسرة أم نضال وبنيانها النفسي والمعنوي.

فقوة الإرادة، وصلابة الشخصية، وثبات الموقف، وعمق التضحية، والإيغال في الجرأة والشجاعة، والانتصار للحق في مختلف الظروف مهما كان الثمن ومهما بلغت التحديات، كلها صفات ومزايا وشمائل تحلي بها الشهيد عماد، وانتقلت ـ توريثاً وتعليماً ـ إلي أسرة أم نضال التي ملكت أسس وبذور التدين والإباء منذ نشأتها، فكانت صفات الشهيد عماد عقل عنصر تعزيز لقيمها ومفاهيمها، وعامل إسناد لمبادئها وأفكارها.

وما أن استشهد عماد في قلب دارها، حتي بدأت مرحلة جديدة في حياتها! فلم تكتف أم نضال بما قدمته للشهيد عماد، ولم تأنس بما بذلته من جهد وتضحية خدمة له ولحركته وجهاده، بل أرست نواة همة جديدة وعزم جديد، عاهدت الله من خلالها علي الثبات علي طريق الحق، والسير علي درب الشهيد عماد وكافة إخوانه الشهداء المجاهدين، مهما كلفها الأمر من عطاء وصبر وتضحيات.

وهكذا، وجدت أم نضال في أبنائها خير من يفي بالوعد ويبر بالقسم ويشفي الغليل ويمضي علي الطريق، فنذرت نفسها وأبناءها لله تعالي، وشرعت في تعميق انتماءاتهم الدينية، وترسيخ صلاتهم بالله، وتعظيم حبهم للوطن وضرورة الجهاد والتضحية في سبيل الله. وكان السجن والاعتقال بداية سلسلة التضحيات التي دفع فاتورتها أبناء أم نضال، فقد ضمت غياهب السجون اثنين من أبنائها لعدة سنوات.

فتحي فرحات

فصول القصة البطولية لأسرة فتحي فرحات، لم تبدأ بشهادة أبنائها خلال انتفاضة الأقصي، بل تعود إلي بداية الانتفاضة الفلسطينية الكبري عام 1987، فور عودتهم من الجماهيرية الليبية، حيث كانت بداية حياتهم هناك، استقروا في منزل متواضع بحي الشجاعية، أحد الأحياء الشرقية لمدينة غزة، وبعدها انخرطوا في الانتفاضة المباركة وشاركوا بقوة في فعالياتها الجهادية.

التحول الأبرز في حياة أسرة خنساء فلسطين كان عام 1991، حين أصبح بيتهم مأوي آمناً لأبرز قادة ونشطاء كتائب الشهيد عز الدين القسام، أمثال: محمد الضيف وياسر النمروطي وعماد عقل وغيرهم الكثير احتضنتهم وأخفتهم من مطاردة وملاحقة سلطات الاحتلال الصهيوني، وانتهت هذه المرحلة باستشهاد القائد عماد عقل في بيت العائلة في 24/11/1993.

بعد استشهاد القائد عماد عقل، اعتقل الشقيقان نضال وحسام، وأمضيا في سجون الاحتلال ثلاث سنوات. وبتاريخ 20 آذار (مارس) 1995 تم اعتقال الشقيق الثالث وسام في مدينة بئر السبع، بعد أن نجح في إدخال شاحنة مفخخة من قطاع غزة إلي الدولة العبرية، وحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً قضاها في عدة سجون، أبرزها سجن هداريم الصهيوني.

أمّا خلال سنوات انتفاضة الأقصي المباركة فكانت أسرة فتحي فرحات من أبرز العائلات تقديماً للتضحيات، وكانت أمّ نضال فرحات هي الأم الأولي التي قدّمت فلذة كبدها محمداً ليكون شهيداً، عانقته قبل الذهاب إلي تنفيذ العملية، وودّعته في شريط فيديو وزع بعد استشهاده.

غير أن الحدث الأبرز في تاريخ العائلة وفلسطين بأسرها، حينما ودّعت أم نضال ابنها محمداً قبل خروجه لتنفيذ عمليته الاستشهادية في مستوطنة ( عتصمونا) في السابع من آذار (مارس) 2002 حيث قتل سبعة صهاينة وأصاب 28 آخرين، وهو ما دفع الصهاينة للانتقام من العائلة بالتركيز علي اغتيال الابن الأكبر نضال. وبالفعل نجح الصهاينة بتاريخ 17/2/2003م في اغتيال نضال بعد تفجير طائرة مفخخة صغيرة وصلت إليه عن طريق أحد العملاء.

لم تمض شهور قليلة علي استشهاد نضال، حتي أصيب مؤمن برصاصة في حوضه أثناء تصديه للاجتياح الصهيوني لحي الشجاعية في 1/5/2003، وأما حسام فقد بترت ثلاثة من أصابع يده بعد انفجار قنبلة يدوية كانت معه. كما أن أبا نضال فرحات لم يمهله الأجل كثيراً بعد استشهاد نجليه نضال ومحمد، وتوفي قبل أن تتكحل عيناه برؤية نجله وسام الذي منع من زيارته في سجنه.

تتحدث خنساء فلسطين عن صغيرها رواد الذي خرج إلي هذه الحياة صباح يوم 4/4/1988، وتقول: إنها حين كانت حاملاً به أرادت أن تسميه شهيد لو وضعته صبياً، ولكنها رأت مناماً يخبرها أن ما في بطنها ولد واسمه رواد ، ونفذت الأم ما رأته بالرؤيا. وعن حياته تقول: نشأ في أحضان بيت يعشق المقاومة والجهاد في سبيل الله فكيف سيكون؟ ، وأضافت بعد أن استقبلت خبر استشهاده بكل رضا: رواد كان ليل نهار يسعي لنيل الشهادة والحمد لله وبكل فخر لقد نالها .

إنعام فتحي فرحات، هي ابنة أم نضال فرحات، وشقيقة الشهداء محمد ونضال ورواد، وزوجة الشهيد عماد عباس أحد قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الأوائل، ورفيق درب الشهيد القائد عدنان الغول، كبير مهندسي التشكيلات العسكرية الفلسطينية في انتفاضة الأقصي المبارك، لما جاء خبر استشهاد الزوج ما كان من الزوجة، التي تربت علي موائد الجهاد في أسرتها، إلا أن عملت بوصية أمها، فلم تصرخ أو تبكِ، بل قامت بالصلاة والسجود؛ حمدًا لله عز وجل. بل إنها قالت بصوتٍ يحترف الصبر: نال ما يتمني، فقد كنت أخشي أن يموت بسبب مرض يصيبه؛ نتيجة استنشاقه للمواد الكيماوية الخطرة التي يستخدمها بالتصنيع؛ حيث ان المرض أصاب أنحاء جسمه، ولكن الحمد لله الذي منحه الشهادة، وأدعو الله أن يُعينني علي تربية أولادي، وأن أجعلهم يسيرون علي نفس درب أبيهم .

وأما أم نضال فرحات ـ حماة الشهيد ـ فقالت: نعم الابن، ونعم الزوج لابنتي، ونعم القائد عماد عباس . وربما لن تصدقوا أن دموع خنساء فلسطين بدأت في ذرف العبرات، وعندما تبكي أم نضال فبالتأكيد لن تكون الشخصية التي تبكي عليها بالعادية، إذ أضافت تقول: كان عماد مميزًا قائدًا فذًّا، ولما استُشهد شعرت بشيء انتُزع من ضلوعي، كان يخبرني بأعماله ويحدثني عن انتصاراته، عائلتي وعائلته لم تتشارك بالنسب فحسب، بل شاركنا بعضنا بالجهاد والمقاومة، عماد كان خجولاً متواضعًا، طيبًا وحنونًا.. رحمه الله.. وعزاؤنا في التلاميذ والأجيال التي تركها .

أوجع العدو وألهب مشاعر شباب فلسطين:

مجاهدة من نوع خاص، حديثها القرآن والشهادة والدعاء للمجاهدين، تتذكر وصيتها لابنها الشهيد إذ قالت: اضرب علي رؤوس الأعداء واقتلهم واطردهم من بلادنا .

تلك هي خنساء فلسطين، حين جهزت ابنها وودعته للشهادة، وتقول متذكرة الشهيد محمد فتحي فرحات الذي اقتحم مستوطنة عتصمونا ، كبري مستوطنات مجمّع غوش قطيف الاستيطاني، حيث خاض الشهيد معركة شرسةً بسلاحه الآلي وقنابله مع جنود الاحتلال في الأكاديمية العسكرية التابعة للمستوطنة استمرّت زهاء ساعة، تمكّن خلالها من اقتحام مقرّ الأكاديمية العسكرية، وأطلق النار من رشاشه باتجاه مجموعةٍ من العسكريين كانوا يتلقّون تدريبات عسكرية تمهيداً لدخولهم في صفوف الجيش الإرهابيّ الصهيونيّ، وتمكّن الشهيد من إفراغ تسعة مخازن من الذخيرة، إضافةً إلي إلقاء ست قنابل يدوية كانت بحوزته داخل غرف الأكاديمية مما أسفر عن مقتل سبعة صهاينة وإصابة 22 آخرين بجروحٍ قبل أن يروي بدمائه الطاهرة تراب هذه الأرض.

احتضنته خنساء فلسطين طويلاً، وطبعت علي وجنته القبلة الأخيرة قبل لحظة الفراق الأخير بينهما، ثم أخذت توصيه بأن لا يعود إليها إلا شهيداً يرفع رؤوس جميع من خلفه ويشار إليه بالبنان، ويقدم نموذجاً فريداً في التضحية والجرأة. وما هي إلا لحظات حتي عاد محمد فرحات إلي أمه مسجي في نعشه، بعد أن تمكن من تلقين العدو درساً قاسياً في القدرة علي اختراق الحواجز والإجراءات الأمنية، بشكل اضطر رئيس أركان الجيش الصهيوني شاؤول موفاز للخروج عن صمته ليصف الوضع بأنه حرب حقيقية جعلت قادة الجيش مذهولين وفي حيرة من أمرهم في كيفية اختراق هذا الشبل كافة الإجراءات الأمنية والحواجز والأسلاك الإلكترونية وينفذ عمليته بكل هذه الجرأة.

نعم، إنها الأم التي أنجبت الأبطال، تقول مفتخرة: نذرت أولادي الستة لله، ودفعت بابني الشهيد محمد لسباق زميله في نيل شرف مقاومة قوات الاحتلال، وقلدت ابني السلاح، وودعته الوداع الأخير، قبلني لآخر مرة، وأوصيته بالثبات حتي يلقي ربه شهيداً، وجلست تلك الليلة منتظرة استشهاده. ولا أنكر أني جزعت في البداية، لأني أيقنت أني أعد الأيام الأخيرة لولدي الخامس، وبأني أخوض الامتحان الحقيقي، صراعاً بين المباديء وعاطفة الأمومة، ولكن ما كان يعطيني الصبر هو إيماني ودعائي لله أن يقبله عنده شهيداً، فهذا ما ربيت عليه أبنائي: حب الله، وحب الوطن، وأن يطلبوا الشهادة في كل وقت، لأن الموت هو نهاية كل إنسان، فلماذا لا ندعو الله أن نموت شهداء؟ وما دمنا نعيش في ظل الاحتلال، ونقاوم ونناضل كل يوم من أجل نصرة قضيتنا، فما الغريب في أن نطلب الشهادة من الله؟ هذا الشيء لا يعرف قيمته إلا من يجـــمع قلبه بين حب الله وحب الوطن .

إنها أم نضال، كانت تضع إلي جانبها بندقية ابنها، وما أن سمعت بنبأ استشهاده وتنفيذه للعملية حتي أطلقت منها زخات من الرصاص في الهواء، وفي صباح اليوم التالي كانت تجلس بكل شموخ وكبرياء في حفل عرس ابنها، معصبة رأسها بعصابة خضراء مزينة بشعار التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ، لتستقبل المهنئين والمهنئات باستشهاد نجلها، وتخاطب الجميع بكلماتها الصادقة المخلصة: عشت أنا وولدي أياماً جميلة قبل استشهاده .

وتتذكر خنساء فلسطين الأيام الجميلة التي عاشتها مع ثمرة فؤادها، وتقول: استشارني قبل ذهابه إلي العملية التي كان موعدها بين مد وجزر بسبب بعض الظروف، وحينما اكتمل التخطيط شعرت بسعادة كبيرة، لأن ابني سيكون من بين الشهداء المدافعين عن أرضنا ومقدساتنا، أما محمد فقد سيطرت عليه حالة من الفرح لم أعهدها فيه من قبل. أوصيته أن يستعين بالله، ويجعل الله عز وجل في قلبه، وأن يذكر اسم الله علي كل شيء، ويركز في مقاومته للصهاينة، وأن يلتزم بتعليمات إخوانه المجاهدين وينفذها بحذافيرها، وأن يجعل عمله خالصاً لوجه الله وعدم التسرع بإطلاق النار. وإن أراد القيام بالعملية من أجل أن يقال عنه كذا وكذا فلا يذهب!! طلبت منه أن يطلق الرصاص علي رؤوس الجنود والمستوطنين الصهاينة حتي يوقع أكبر عدد ممكن من القتلي .

الله أكبر... الله أكبر والعزة للإسلام بهذه الكلمات استقبلت خنساء فلسطين خبر العملية وسجدت لله تعالي علي نعمته، وقامـــــت بتـــوزيع الحلوي التي اشترتها قبل العملية خصيصاً لهذا الغرض، وأخذت تسلم علي أبنائها وأهل بيتها، وتقول لهم: مبروك أخوكم الآن في الجنة .

يا بني اذهب على بركة الله

لم تنقطع جموع الصحافيين والصحافيات عن ارتياد منزل أم نضال عقب العملية، مذهولين لجسارتها، مندهشين لقوة إرادتها وثبات فؤادها، مستغربين عملها وصنيعها الذي يبدو كالعملة نادرة الوجود هذه الأيام، إلا أنها كانت تواجههم بلطف، وتستقبل أسئلتهم بثقة وهدوء قائلة: لقد شرفنا الله بالعيش في هذه الأرض المباركة، أرض الرباط والمقاومة، فكيف لا نرابط ولا نقاوم؟ هكذا ربيت أبنائي وهكذا هم . وتضيف: أنا أحب ابني محمداً كثيراً، فهو قريب جداً إلي قلبي، وعندما أتذكره أشعر بحاجة إلي البكاء، ولكنني أعزي نفسي بأنه ذهب عند من هم أفضل مني، فأنا قدمته من أجل الله، لأن الله غالٍ ويستحق منا أن نقدم له كل ما هو غالٍ ونفيس، وأنا لم أكن لأقدم ابني إلا نتيجة لإيماني بالله، فقد كنت أشجعه، وأقوي قلبه، وأحكي له القصص، وأزوده بالروحانيات والمواقف الإيمانية، حتي تشكلت لديه عزيمة عالية، وكانت أمنيته الوحيدة أن يستشهد في سبيل الله، وقد قلت له عندما ودعته في شريط الفيديو: يا بني، أنت فلذة كبدي، وأغلي ما أملك في حياتي، وليس من السهل علي الأم أن تفرط بفلذة كبدها بسهولة إلا لشيء عظيم، وليس هناك أغلي من الدين والوطن لتدافع عنهما وتستشهد، وها أنا أهبك اليوم لتنتقل من هذه الحياة إلي حياة أفضل في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء، وأفعل ذلك لأني أحبك، وأريد لك الخير يا بني، اذهب علي بركة الله، واجعل دماء الأطفال محمد الدرة، وإيمان حجو، وغيرهم، ماثلة أمام عينيك، انتقم لهم ولشعبك الذبيح .

وتوضح أم نضال أنها كانت آخر من تحدث معه ابنها قبل استشهاده، حيث اتصل بها من داخل المستوطنة التي اقتحمها، وأخبرها أنه نجح بالدخول بعد أن قص السياج، وطلب منها الدعاء له، حيث تقول: لقد أغلق محمد الهاتف، بعدها شعرت وكأن شيئاً قد اقتلع من جسدي، فتمالكت نفسي، ودعوت الله أن يمكنني من رؤية جثمانه الطاهر، وبعد 18 ساعة من استشهاده عاد الجثمان، واستجاب الله دعائي، وكحلت عيوني برؤيته، لقد كان الجثمان سليماً، ولم يحدث له أي شيء سوي بعض الطلقات في الرأس، وكان وجهه يشع نوراً، وظل دمه ينزف رغم مرور 18 ساعة علي استشهاده حتي روي الثري .

وذات مرة هاتفتها قناة الجزيرة الفضائية في برنامج حواري مفتوح، عن كيفية إرسالها ابنها لتنفيذ عملية استشهادية وعلمها بالعملية، وتوديعها لابنها قبل التنفيذ، وإطلاقها الزغاريد وإقامتها الاحتفالات عقب استشهاده، وأكد لها المذيع أنه لا يستطيع أن يدفع ابنه يوماً ما لتنفيذ عملية، ولا يعتقد أن زوجته ستحذو حذوها وتسمح لابنها بذلك، ولا يعتقد أن عدداً من العالم العربي و الإسلامي سيقومون بهذا العمل، داعياً إياها لتفسير صنيعها، فأجابته قائلة: يا سيدي، إن أولادنا أغلي من أرواحنا، ولكن نحن نتصور أنهم أغلي شيء في حياتنا، إن الله ـ سبحانه وتعالي ـ هو أغلي منهم، فهو يعني أنه إذا لم تكن حياتنا لله عز وجل فما قيمتها يا أخي؟ أؤكد لك أن ابني أغلي من نفسي، ولكني أقدم له الخير، وأنا أضحي به، وأعلم أن الخير كل الخير في هذه التضحية، قدمته وهو غالٍ عليّ، ولكن لأجل الأغلي، لأجل الأسمي، إن هناك أرضاً محتلة، هناك أعداء، هناك همجية، وهناك الكفر الذي يحمله العالم الغربي ليطغي علي الإسلام، ويريد أن يدمر الإسلام، ونحن ساكتون متخاذلون، ماذا ننتظر يا أخي؟ إن ابني ليس أغلي من الإسلام، إني أقدمه هدية وقرباناً لله عز وجل ولدينه القويم ليحمي هذا الدين، ولترتفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ربوع فلسطين وكل ربوع العالم، وإذا لم نجاهد يا أخي فسيطغي الكفر علي العالم، من لهذا الدين إذا أنا بخلت بابني وغيري بخلت بابنها، فمن يدافع عن هذا الدين؟ ومن يدافع عن هذا الوطن؟ وقد ظلمنا ومورست علينا كل أنواع الظلم في هذا الوطن الغالي، فكيف نسكت ونتخاذل؟ هل نبيع أوطاننا كما باعها الآخرون؟ لا والله لا ولن نرضي بذلك .

تقدم ابنها نضالاً شهيداً ثانياً

لم تنته قصة خنساء فلسطين بعد، فقد استشهد البطل نضال فتحي فرحات أبو عماد ، أحد القادة الميدانيين لكتائب الشهيد عز الدين القسام والمهندس الأول لصواريخ القسام عصــر يوم الأحد 16/2/2003.
وتقول أم نضال فرحات، تلك الأم الصابرة المحتسبة أمرها عند الله تبارك وتعالي: لقد جاءني نضال في يوم من الأيام، وهو لم يخفِ عني أسراره أبداً، جاءني مسروراً ســــروراً لم أشهـــــده من قبل علي وجه نضال، وقال: يا أمي لقد أكرمني الله بصناعة الصاروخ الأول في فلســــطين، فاستـــغربت كثيراً. وحملت هذا الصاروخ، وحمدت الله تعالي علي هذا الإنجاز العظيم، وقرأت عليه آيات من القرآن الكريم عل الله تبارك وتعالي يبارك في هذه الجهود الجبارة التي يبذلها أبناء كتائب القسام، ثم دعوت الله له ولإخوانه من أبناء القسام بالتوفيق، وأن يسدد الله خطاهم نحو النصر والتمكين.

واستكمالاً لمشوار الأم الصابرة، تقول خنساء فلسطين: والله لقد تقبلت خبر استشهاد ابني نضال بالزغاريد والتكبير والتهليل، وحمدت الله كثيراً علي هذه الأمنية التي تحققت لابني نضال، الذي طلب الشهادة من كل قلبه. فهذه الحياة، هي ألذ حياة يعيشها الإنسان المؤمن بالله عز وجل، وهو يري نفسه يقدم أغلي ما يملك من أجل ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالي، فالحمد لله الذي منحني هذا الصبر العظيم. والله إنني مستعدة لتقديم نفسي أولاً ثم بيتي ثم أبنائي كلهم في سبيل ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالي.

لا يهمني أن يكون عندي شهيدان أو ثلاثة وحتي لو استشهد جميع أبنائي، المهم أن نعمل بما يرضي الله عز و جل، وأن نجاهد في سبيل هذا الوطن، فهذه نعمة من الله، ونحن في خدمة الدين والوطن، لذا فإني أعتبر نفسي أماً لكل الشهداء وليس فقط لمحمد ونضال... ابني الشهيد هو خير من يبرني، فهو الذي سيشفع لي بشهادته يوم القيامة، ومن كانت تحب ولدها فلتحذُ حذوي، ولتعطه أغلي ما تستطيع، وأغلي ما يمكن أن تقدمه هو الجنة. وأعتبر كل الشباب الملتزمين وأبناء الشعب الفلسطيني أبنائي. تمنيت دائماً أن أكون أم شهيد، وكان ابني نضال ـ الله يرحمه ـ يقول لي دائماً يا أمي لا تموتي إلا وأنت أم شهيد .
ونتابع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:56 pm

تقدم ابنها رواد شهيداً ثالثاً

بعد عدة أشهر من الهدوء الحذر الذي ساد مدينة غزة، عادت حكومة الاحتلال لسياسة استهداف المقاومين من جديد بطـــــائرات الأباتشي، حيث كان شهيدنا رواد من ضمن الشهداء الذين رووا بدمائهم ثري فلسطين جراء القصف الصهيوني الغاشم شرق مدينة غزة، وارتقي شهيداً يوم السبت الموافق 24/9/2005، مع أخيه الشهيد محمد أبوحسين.

ووصل خبر استشهاده لخنساء فلسطين، في الوقت الذي كانت فيه تستعد هي ومجموعة من زوجات وأمهات الشهداء للذهاب إلي مخيم جباليا لتقديم واجب العزاء في شهداء القصف الصهيوني بطائرات الاستطلاع لمهرجان فجر الانتصار الذي كانت تنظمه حركة حمـــــاس في جباليا، فاستقبلته بكل ثبات وإيمان، لأنها الأم التي دعت الله أن يرزق جميع أبنائها بالشهادة، فصبرت و احتسبت ابنها رواد شهيداً كــما احتسبت من قبله الشهيدين نضال ومحمداً.

وكشفت خنساء فلسطين أن رواد كان ذاهباً إلي مكان نيابة عن شقيقه مؤمن، لأنه كان خائفاً عليه أن يخرج في ذلك الوقت، حيث قاد السيارة بنفسه رافضاً أن يجلس مؤمن في المقعد الخلفي، فكان فداءً لأخيه القائد القسامي.
وذكرت أم نضال أيضاً أن الشهيد قبل استشهاده بأسبوع، ذهب إلي جميع المناطق التي كان يرابط فيها، في الزيتون والشجاعية ومناطق متفرقة من غزة، وأخذ يقبل الجدران وعتبات المنازل التي كان يرابط عليها، والشجر الذي كان يجلس تحته، وأضافت: نحن في سبيل الله، ولن نترك هذه الطريق مهما اشتدت الآلام وعظمت التضحيات، ولن تكسر إرادتنا أبداً، وأتمني الشهادة لبقية أبنائي، والله لو ذهبوا كلهم في سبيل الله ما زادنا ذلك إلا ثباتاً وإيماناً ويقيناً بنصر الله. والله فرحانة من كل قلبي، صحيح فرقة الابن غالية، خاصة وأن رواد هو أصغر أولادي، ولكن والله لا يعز ولا يغلي شيء علي الله .

وعن اللحظات التي رأت فيها رواد، قالت خنساء فلسطين: كانت أحلي لحظات، كانت مفاجأة رهيبة لي رغم توقعي الشهادة لرواد منذ كنت حاملاً فيه، وهذا إلهام من ربي، شعرت أنه شيء سريع جداً رغم أنه ليل نهار في الخطر، فهو في كل أساليب المقاومة يشارك وأول المقاومين، لم يبق أسلوب من أساليب المقاومة إلا اتبعه، هو أصغر أبنائي ويعيش معي وفرقته كانت شيئاً رهيباً لي، رواد حنون جداً. الأمر عصيب علي نفسي، لكنني التزمت بشرع الله سبحانه وتعالي، وحتي لو كنت في أحلك المواقف لا أنسي أن أقف الموقف الذي يرضاه الله لي، لأن المطلوب الصبر عند الصدمة الأولي، سجدت لله شكراً ودعوت أن يتقبله شهيداً . وأضافت: ابني رواد، الله يرضي عليه، يسعي دائماً للجهاد والمقاومة، والحمد لله بكلّ فخرٍ واعتزاز أستقبل هذا الخبر، وأريد أنْ أقول: إنّه صحيح أنّ فراق الابن صعب، خاصةً أنّه أصغر أبنائي وعزيز علي نفسي، لكن لا يعزّ شيء علي الله عز وجل، والحمد لله فهو منخرط في صفوف القسام منذ صغر سنه، وهو يعمل عمل الشباب، الحمد لله والله يتقبل كلّ الشهداء يا رب .
والدة الشهيد محمود العابد

بيدها خطت رسالة إلي الشيخ صلاح شحادة، ليسمح بمشاركة ولدها بعملية استشهادية والذي لم يبق له سوي أيام ويحصل علي شهادة البكالوريوس من الجامعة، إلا أن ذلك لم يمنعها، وكيف وهي التي تمنت أن تكون مكانه؟ 
وقالت أنها ودعــــته وأوصته، فقالت: رأيت ابني قبل تنفيذه العملية، وجلــــست معه ساعات، وقلت له: لا ترتعد أمام العــــدو، ولا تهدر الرصاص ، موجهة في الوقت ذاته، رسالة إلي الأمهات الفلسطينيات قائلة: هذه أرض فلسطينية، وأبناء الشعب الفلسطيني ليسوا أغلي من أرضهم .

لم ترتبك أم أحمد أو يخالجها الاضطراب وهي تستقبل جموع المهنئات التي تقاطرت لتهنئتها باستشهاد ولدها، ولم يتسلل إليها أي يأس أو وهن وهي تروي للجموع الغفيرة حكاية الإقدام وقصة الشهادة، وتبث فيها روح الثبات والإقدام والتضحية قائلة: لم تعرف عين ابني النوم قبل أسبوع تقريباً من تنفيذ العملية في انتظار هذه اللحظة، ولم تكن هي محاولته الأولي لتنفيذ عملية، إذ خرج مرتين لتنفيذ عملية استشهادية قبل ذلك، لكنه غاب يومين عن المنزل دون أن نسمع عنه خبراً، وكنت أراقب الأخبار علي الفضائيات في انتظار سماع نبأ استشهاده، لكنني فوجئت به يعود إلي المنزل، ولا أنكر أنني فرحت كثيراً بعودته وقبلته وحضنته، وحمدت الله أنه عاد لي، ولكني سرعان ما عاتبت نفسي وحاسبتها، وقد تكرر هذا الأمر معي كثيراً .

وهنا تذرف الأم دمعة حبيسة في مقلتيها وهي تقول بكل ثقة وكبرياء وشموخ: ليس هناك من يهون علي الأم ولدها، ولكن تلك هي إرادة الله الذي جعل الجهاد في سبيله طريقنا، وليس ابني بغال علي الله ، مضيفة: قبل أن يخرج محمود من عندي آخر مرة كان نائماً، وكنت أجلس بجواره أسترق النظر إلي وجهه، وشعرت للحظة بأن هناك نوراً يخرج من وجهه، فدعوت ربي بقلب خالص أن يرزقه الشهادة، وما هي إلا لحظات حتي استيقظ علي صوت الهاتف المحمول ليخرج من أمامي كأنه طيف يمر بعد أن قبل يدي ورأسي، بينما قلبي يدعو له بالشهادة .

ولم تتوانَ أم أحمد في ضرب المثل والقدوة لجميع الحاضرات، حين أكدت أنها وافقت علي الظهور علي شريط مصور إلي جوار ولدها كي تقول: إن شعباً احتلت أرضه، وانتهكت أعراضه، لا بد له من ثورة علي المحتل حتي يخرجه بكل الوسائل، ومنها حث أبناء الشعب الفلسطيني علي الجهاد والاستشهاد.

في يوم السبت الموافق 15 حزيران (يونيو) 2002، كانت أم أحمد تنتظر ـ بكل صدق وسكينة واطمئنان، تخالج القلب المرهـــــف الحنون العامر بالإيمان والإخلاص للدين والعقيدة وحب الوطن والتضحية في سبيله، علي أحر من الجمر ـ أن يأتيها الناعي بنباء ارتقــــاء ابنها محمود شهيداً، ويبشرها بالفوز المبين الذي ظفــــر به نجلها الميمون، إلا أن الانتظار قد طـــال، والموعد مع الشهادة لا زال غير قريب، حتي كان المساء، فأسبلت جفنيها، وأغمــــضت عينيها، لتري رؤية جميلة أثلجت صدرهـــــا، وأزاحت عبء الانتظار عن كاهلها، أدركت معها أن الموعد قد اقترب كثيراً، وأن الشهادة باتت قاب قوســــين أو أدني، وأن ساعة رحيل ابنها وانتقاله إلي الرفيق الأعلي قد أزفت.

فبدأت تعد الثواني والدقائق والساعات، وتخالها دهراً كاملاً، وزمناً غريباً يمر ببطء وتثاقل، حتي إذا غابت الشمس عن السماء، وتسللت العتمة الداكنة إلي الأجواء، أتاها البشير بالخبر اليقين، وزف إليها النبأ الذي انتظرته طويلاً بفارغ الصبر، لتصبح أم الشهيد، وتندرج في عداد الخنساوات العظيمات اللائي بذلن من آيات التضحية والجلد ما لم ينقل عن كثير من نساء الأولين.

وحين علمت بالخبر، استقبلته ببشر وحبور كبيرين، فهذه هي اللحظة التي طالما تمنت وقوعها، وأطلقت العنان لذاكرتها في الاسترسال، مستعرضةً مراحـــل ومفاصل وتفاصيل ودقائق حياة نجلها، واللحظات الأخيرة التي سبقت استشهاده.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:57 pm

قالت له: وداعاً ولم تبك. طبعت علي جبينه قبلة حارة. وقبلت سلاحه، وانزوت في غرفتها تدعو له بالتوفيق
أم لصحيفة اسرائيلية: هذه ظروف صعبة دون أدنى شك لكنني لا أشعر بالأسف. مستعدة للتضحية ببقية أولادي



الحمد لله الذي رزق ابني الشهادة

لعل ما قامت به أم الشهيد محمود العابد أو أم الشهيد محمد فرحات أو أخريات من الأمهات الفلسطينيات اللواتي قدمن فلذات أكبادهن بأيديهن للشهادة، واهتز لهن العالم، وعجزت أمامهن الكلمات التي تصف أماً تضحي بابنها لأجل أن ينعم شعب بحريته، يعتبر تصرفاً غريباً للبعض لكنه ليس بالأمر الغريب علي أمهات اشتعل الإيمان في أعماقهن، فجعلن من حياتهن وقوداً للجهاد والمقاومة.

والحاجة نعيمة واحدة من هؤلاء، وليس هذا فحسب، بل انها آثرت إبراز دورها والمكاشفة بصنيعها، رفعاً للروح المعنوية للشعب الفلسطيني، وتحفيزاً لكثير من الأمهات علي سلوك ذات الدرب، وممارسة ذات الدور والصنيع، تأسيساً واقتداءً.

ومن هنا، جاء حديثها عن ابنها الشهيد: كنت أملك أن أمنعه من الذهاب لتحقيق أمنيته بالشهادة، وبفضل الله عز وجل أن ابني بارّ بي لا يغضبني أبداً وينفذ ما آمره به وهو حريص علي إرضائي، ولكني خفت من الله إن منعته أن يحاسبني الله الذي أمر بالجهاد في قوله: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)، وأيقنت أن الأعمار بيد الله عز وجل وأنه انتهي عمره ولن يستطيع أحد أن يرده إلي الحياة مرة أخري، فربما لو منعته من الجهاد يموت علي الفراش أو حادث طرق أو غيره دون أن يظفر بالشهادة فلأدعه يفز بالشهادة وأمر الله ماض. ومحمود خرج مرتين لتنفيذ عمليته الاستشهادية، ولكنه كان يعود في كل مرة لأن عمره لم ينته بعد، أما في المرة الثالثة، فكتب الله له الشهادة، وأرجو أن يتقبلها الله منه ويجمعني به في مستقر رحمته.
أنا لم أبارك عمله إلا عندما تأكدت أنه عازم حقيقة علي تنفيذ عملية استشهادية، ولا أنكر أني حزنت في البداية وتألمت مثل كل أم تتمني وتحلم بأن يكبر ابنها لتفرح به.

وكثرة الأحداث والقتل والتدمير جعلت كل نساء فلسطين مهيآت لخوض غمار الجهاد، بالإضافة إلي أن زياراتنا المتكررة لأمهات الشهداء زرعت الجرأة في قلوبنا، رغم أنه لا يوجد أحن من قلبي وأضعف منه، وخاصة علي محمود أحب أبنائي إلي، وظفره الصغير الذي يلقي به لا تعدله كنوز الأرض جميعاً أمامي، ولكن أوضاعنا وجرائم الاحتلال تحتم علينا أن نضحي من أجل أن نسعد غيرنا ونستعيد حريتنا ونحافظ علي ديننا.

ولا أنكر أنني بكيت عندما شاهدت صور والدة الشهيد أم محمد فرحات وهي تودع ابنها، ولكن عندما أصبحت مكانها لم أبك علي ولدي عندما فارقني وانتقل إلي ربه شهيداً، كنت أحاول أن أستفيد من تجارب أمهات الشهداء السابقين لولدي أسألهن عن سر صبرهن ودفعهن لأبنائهن لخوض الجهاد، والحمد لله اني صبرت ولم أذرف الدموع علي ولدي.

الوداع ليس بالأمر السهل علي قلب الأم، وربما الساعات التي يقضيها خارج المنزل تمر عليها كسنوات عجاف، فلا تدري ما مصير ولدها، وهل هو علي قيد الحياة أم أنه في المعتقل، وتبدأ تغرق في هواجس الخوف علي ولدها، رغم أنني كنت أحاول أن أسلي نفسي بعمل المنزل، وأن لا أفكر في أمره حتي لا أنشر الرعب بين باقي إخوانه، لذلك رجوته في المرة الثالثة أن لا يودعني ويتوكل علي الله.

وفي صباح يوم السبت عاد إلي المنزل في الساعة العاشرة تقريباً، وكان متعباً كثيراً ومرهقاً وكأنه لم يتذوق النوم منذ أيام، فاستلقي علي أقرب فراش أمامه وغرق في نوم عميق، ونظرت إليه وكأنني لأول مرة أشاهد ولدي، فهو مرهق كعاشق يحلم بالوصول إلي أمنيته، فدعوت الله حينها بقلب صادق أن يقبله شهيداً ويحقق له أمنيته لعله يرتاح من هذا العناء الطويل .

وتواصل الحاجة نعيمة حديثها وتقول: وكان حقيقة في هذا اليوم هو آخر لقاء به. ومع تمام الساعة الثانية تقريباً، إذ بطفلي الصغير يبشرني أن مجموعة من الشبان اقتحموا مستوطنة في شمال قطاع غزة، ولم أعط اهتماماً لهذا الموضوع، فأنا أعلم أن محموداً خرج في عملية اقتحام علي دورية لجيش الاحتلال خارج المستوطنة، ولكن سرعان ما بدأ يتضح الأمر، فأيقنت حينها أن محمود علي خط النار وفي قلب الصراع، لأعيش أصعب لحظات حياتي، فأخذت أدعو الله أن يسدد رميته، وأن يقبله شهيداً، ولا يمكن الأعداء منه، وإن كان قلبي يحترق علي ولدي لحظة الفراق، ولكن الشهادة أغلي وأقوي من أي عواطف، والشهادة خير من الدنيا وما فيها .

إياكن أن تبكين بل زغردن

وفي منزلها الواقع بحي الشيخ رضوان، استقبلت والدة الشهيد المهنئين والمهنئات بالحلوي والزغاريد، واصطفت شقيقات الشهيد يستقبلن المواسيات لهن، والابتسامة تعلو شفاههن، وهن يواسين المعزيات لهن ويرجونهن ألا يذرفن الدموع علي شقيقهن، بل يطلبن من الله له الرحمة والمغفرة، وأن يقبله شهيداً. ولم يختلف الأمر كثيراً لدي شقيقته الكبري غادة التي بادرت بقولها: اليوم عرس محمود، أخيراً رزقه الله بالشهادة، سنزفه، وسنغني له عندما يؤتي به لنلقي نظرة الوداع، فهو حقاً عريس، وسبقني إلي الشهادة وإلي الجنة لأنه يستحقها .

وما هي إلا لحظات حتي قيل إن جثمان الشهيد محمود قد أحضر كي يتمكن ذووه من إلقاء نظرة الوداع عليه فنهضت و قامت بتجهيز طاولة كي يوضع عليها جثمان ابنها قائلة للحضور: لا أريد ضجيجاً عندما يأتي محمود، أريد أن آخذ راحتي معه ، ونظرت إلي إخوته وعمّاته وخالاته وأضافت: إياكن أن تبكين، بل زغردن حال وصول الجثمان الطاهر، فهذه وصيته وأنا وعدته بتنفيذها .

وبعد أن دخل جثمان الشهيد المنزل، علت الزغاريد من أفواه النساء، ثم وضع جثمانه علي الطاولة التي جهزتها أمه بيديها، وجلست تقبله بهدوء وتمسح وجهه بيديها ولسانها يلهج بالدعاء له أن يتقبله الله شهيدا في سبيله ويدخله فسيح جناته.

وأمام المنزل تجمع الآلاف وما أن خرج جثمان الشهيد من بيته بعد أن ودّعه أهله وذووه، حتي انطلق الموكب الجنائزي المهيب بمشاركة الآلاف نحو مسجد (أمان) القريب، وهو المسجد الذي كان محمود معتاداً علي الصلاة فيه وبعد صلاة الظهر أديت صلاة الجنازة علي روح الشهيد، ثم انطلقت الجنازة، وأطلق بعض المسلحين النار في الهواء تكريماً لروح الشهيد، في حين قامت عناصر من الجناح العسكري لحماس بحمل الجثمان وسط هتافات غاضبة متوعدة ومطالبة بالثأر ومواصلة طريق المقاومة والانتفاضة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 4:58 pm

والدة الاستشهادي إبراهيم ريان

الدكتور نزار عبد القادر ريان، استقبل المهنئين بشهادة ولده إبراهيم وهو يقول وإشراقة الفرح تملأ وجهه: اليوم عرس إبراهيم؛ فهو أول المجموعة المجاهدة من أسرتي، وأنا فخور به وبعمله؛ لأن الوطن ما زال يحتاج منا لمزيد، وسنبذل أرواحنا حتي نعود إلي قرانا ومدننا التي هُجّرنا منها؛ إبراهيم رجل رغم صغر سنه، وكنت أتوقع من شاب مثله أن يقدم مثل هذا وأكثر للوطن؛ فهو نشأ علي حب الجهاد والاستشهاد .

وتابع الدكتور نزار بالقول: خرج إبراهيم كعادته في الصباح لمدرسته، فهو طالب في الصف الثالث الثانوي قسم أدبي في مدرسة أحمد الشقيري في معسكر جباليا، ولكنه علي غير عادته عاد إلي المنزل قرب الساعة الحادية عشرة صباحاً، ثم خرج ثانية دون أن يودّعني أو يشعرني بلحظة الوداع. وفي المساء جلست أستمع لنشرة الأخبار وتفاصيل العملية الجهادية وجرأة المجاهدين علي اقتحام المستوطنة وأنا لا أدري أن ولدي من بينهم، فقمت وتوضأت وأخذت أصلي لله عز وجل وأدعو ربي أن يثبّت رميتهم، حتي جاءني المبشّرون يزفون لي خبر استشهاد ولدي؛ فحمدت الله أن رزقه الشهادة، ورجوته أن يحتسبه عنده شهيداً .

أما أم بلال، والدة الشهيد إبراهيم ريان، فلا تقل صبراً عن زوجها، حيث كانت تستقبل المعزيات بابتسامتها الهادئة قائلة: الحمد لله الذي استجاب لي ولدعوتي، وجعل من أبنائي شهيداً؛ كما كنت أدعوه في سجودي: اللهم اجعل من أبنائي شهداء وعلماء وحفظة لكتابك، واستجاب لولدي دعوته: اللهم أفرغ علينا صبراًً وثبّت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين، التي كان لا ينفك عن دعاء الله عز وجل بها .

وأكملت أم بلال بالقول: منذ أربعة أيام وأنا أقرأ الشهادة في وجه ولدي، وكنت أشعر أني لا أتحدث مع شاب من أهل الدنيا، بل هو من شباب الآخرة؛ فإشراقة وجهه وهدوؤه ونور قلبه وتعلقه بالله عز وجل كانت كلها تدل علي أنه مفارق لنا، وأنه سينتقل إلي جوار ربه. لذلك كانت دموعي تنهمر مني وأنا أتحدث معه دون إدراك مني أنه إحساس قلب الأم، ولكنه كان يبعد نظرات عيونه عني حتي لا يضعف أمام عاطفتي، ولكثرة إحساسه بما يمتزج في قلبي من آلام فراقه قبل أن يفارقه، لقد طلب مني أن أنام بجواره في آخر ليلة قضاها في المنزل علي غير عادته، وأخذ يقول لي: أخلصي الدعاء لله بأن يرزقني الشهادة؛ فلا تبخلي عليّ بدعائك، ثم سألني: إن خرجت للجهاد فهل ستمنعينني؟ فقلت له وبصدق: والله لن أمنعك، فرد علي قائلاً: فإن ذهبت للجهاد فلن أودّعك، فأكثري من الدعاء لي .

وتشير الأم إلي أنه في الصباح: خرج إبراهيم لمدرسته، ولكنه سرعان ما عاد علي غير عادته، فقبّل يدي وخرج ودموعي تنهمر وقلبي يعتصر ألماً وفرحاً بأن ابني أصبح شاباً مجاهداً مدافعاً عن دين الله؛ وعندما أوردت وسائل الإعلام الخبر، أحسست بأن ولدي هو من يحاصر الأعداء ويطاردهم، فخرجت لصلاة العشاء في المسجد ودموعي تنهمر، وعدت وأكملت الصلاة في البيت وقلبي يدعو له وللمجاهدين، وقلبي يؤكد لي أن إبراهيم هو أحد هؤلاء المجاهدين .

أم بلال سيدة مجاهدة من الطراز الأول، نشأت في إطار عائلة متدينة وملتزمة، هي عائلة تمراز، فهي ابنة الشيخ المجاهد عبد الرحمن تمراز أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة الشمالية لقطاع غزة، ورفيق درب الشيخ أحمد ياسين، وأحد أعضاء الجهاز العسكري للإخوان المسلمين الذي أسسه الشيخ أحمد ياسين وتم اكتشافه عام 1984، ليتم اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي طالت عناصر هذا الجهاز، ويحكم عليه بالسجن لمدة أحد عشر عاماً. 
تزوجت أم بلال من المجاهد الدكتور نزار ريان، وعانت معه الغربة إبان مراحله الدراسية المختلفة، في سورية والأردن والسودان والسعودية، لتختتم جولتها العربية برفقة زوجها بالعودة إلي أرض الوطن، عازمة عزماً أكيداً علي عدم مفارقتها أو الخروج منها مرة أخري مهما كانت الأسباب والمبررات.

تتحدث أم بلال عن الأسباب والدوافع التي دفعتها لتقديم ابنها شهيداً في سبيل الله، فتقول: إن الذي دفعني لذلك، أولاً: هو تأثري الشديد برسالة الدكتوراه لزوجي التي كانت تتحدث عن الشهادة والشهداء، وثانياً: تأثري بقول الرسول صلي الله عليه وسلم حينما كان يقول لأحد أصحابه: (منا شهيد فهل منكم شهيد؟)، فقد حمسني هذا القول حماساً شديداً، مما دفعني للقسم بأن أهب وأقدم أبنائي الستة شهداء في سبيل الله، وثالثاً: مشاهدتي ومتابعتي للمجازر المتكررة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل، وقتل الأطفال والنساء والرجال بدم بارد، وتدمير البيوت فوق رؤوس أهلها، وتجريف الأراضي واقتلاع الأشجار، واغتيال القادة الفلسطينيين، مما أحرق قلبي وأشعل صدري بنيران الغضب والانتقام من بني صهيون. ولكن امتلاكي لسلاح الإيمان، وشعوري بقوة العقيدة، وصدق انتمائي، وحبي الشديد لهذا الدين دفعني لكي أقدم ابني إبراهيم شهيداً في سبيل الله دون أي تردد أو تفكير .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 5:00 pm

علما بان ام ابراهيم ريان قد استشهدت ايضا هي وزوجها الدكتور العالم الشهيد نزار ريان وابنائه وزوجاته الاخريات (في حرب الفرقان) رحمهم الله رحمة واسعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 5:00 pm

والدة الاستشهادي محمد حلس

الكثيرون ممن لا يفهمون فلسفة الموت والحياة في الإسلام، ولم يتعرفوا إلي المجاهدة أم نبيل، والدة الاستشهادي محمد أحمد حلس، وجد صعوبة كبيرة في استيعاب معني وداع الأم الفلسطينية لابنها وإعداده للجهاد، مع أن حال أم نبيل المكلل بالأنفة والثبات والاحتساب لم يكن طارئاً أو معزولاً، فقد جاء في سياق عزيز وأصيل، فهي الخنساء الثالثة في فلسطين بعد الخنساء الأولي والدة الشهيد إبراهيم نزار ريان التي ودعت ابنها قبل اقتحامه مستوطنة ايلي سيناي شمال قطاع غزة، والخنساء الثانية أم نضال فرحات التي ودعت ابنها بحرارة قبل مهاجمته لمستوطنة عتصمونا ليوقع فيهم القتل والتدمير.

بيد أن عمق التربية التي تشربها محمد لم تقنعه بالمشاركة التقليدية في أعمال وفعاليات المقاومة كما هو حال عدد كبير من المجاهدين، بل أراد أن يكون متميزاً في كل شيء، وأن يرتقي مرتقيً نوعياً في مساره المقاوم، يحقق له أمانيه، ويشبع له رغباته، ويقرب بينه وبين أغلي طموحاته: الشهادة، التي وضعها نصب عينيه هدفاً أولاً وأخيراً، ولم يقبل لها تحويلاً، أو يرضي سواها بديلاً.

وما أن اتخذ قراره، وحسم شأنه وخياره، حتي بادر بالتخاطب مع المسؤولين لم يكن محمد بحاجة إلي جهد كبير وعناء لإقناع مسؤوليه، فسيرته المشرفة، وجهوده الدؤوبة، وعطاؤه الفياض، كانت كلها كافية لاحتلال موقع متقدم في أجندة التخطيط والإعداد للعمليات الجهادية القادمة.

وكان لمحمد ما أراد وتمني، إذ لم يمض وقت طويل حتي رشح لتنفيذ عملية عسكرية ذات صبغة استشهادية داخل إحدي مستوطنات غوش قطيف، ليبدأ رحلة الإعداد والتجهيز لميقات التنفيذ، ويبدأ يعدّ الأيام والليالي المتبقية التي تفصله عن موعده مع الشهادة، وموعده مع لقاء الله تعالي، ولقاء الأحبة الكرام من النبيين والشهداء والصالحين والأخيار وحسن أولئك رفيقاً.

الشهيد محمد فتحي فرحات هو الصديق الحميم للشهيد محمد أحمد حلس، حيث تربي الاثنان في مسجد الإصلاح وكانا من أشباله، يشاركان في نشاطات المسجد مع بعضهما، بل ويجلسان في المسجد بجانب بعضهما. وبعد استشهاد محمد فرحات أبي محمد حلس إلا أن يلحق به، حيث أقسم محمد حلس في جنازة محمد فرحات أن يلحق به قائلاً: والله لألحقنك يا محمد . وبالفعل، ابر محمد حلس بقسمه ونفذ عمليته ليلتقي مع حبيبه في جنات النعيم.

وحول واقعة استبداله تقول والدته: لم أرَ محمداً حزيناً بهذا الشكل طيلة حياتي، جاءني وقلبه مملوء بالحزن والحسرة، إذ انه كان يتمني أن يكون هو المنفذ وقلت له: سيأتي عليك يوم قريب وتنفذ عملية أخري في قلب الأعداء، و ها هي جاءته الفرصة وقام بتنفيذ العملية في مستوطنة نتساريم ونال الشهادة التي أحبها وتمناها .

وتضيف أم نبيل: الشهيدان تنافسا علي تنفيذ العملية في مستوطنة عتصمونا، وأصر كل منهما علي أن ينفذها هو ويفوز بشرف الشهادة ورفض كل منهما التنازل للآخر، حينها قرر الإخوة القائمون علي العملية ترك الأمر للشهيدين لتسويته بينهما. واتفق الشهيدان علي أن يصلي كل منهما صلاة الاستخارة وينتظرا ماذا يقرره الله سبحانه وتعالي. وبالفعل، فقد صلي الشهيد محمد فرحات صلاة الاستخارة وتوجه بعدها إلي بيته ونام. وبعد فترة رن جرس هاتفه النقال ليخبره الإخوة أنه قد وقع عليه الاختيار لتنفيذ العملية، حينها أخبر محمد فرحات أمه أنه في اللحظة التي رن فيها الجوال كان هو يحلم أنه هو من سينفذ العملية في مستوطنة عتصمونا. وحينها اقتنع الشهيد محمد حلس بهذا الاختيار، وودع رفيقه وأخاه المجاهد علي أمل أن يلتقيا في جنان النعيم. وما هي إلا أيام قليلة حتي أوفي محمد حلس بقسمه ولحق بأخيه المجاهد محمد فرحات ليسطرا معاً صور الأخوة والإقدام، تنافسا في الدنيا والتقيا في الآخرة .

وجّه سلاحك بدقة في وجه الأعداء

في ثنايا هذه التطورات كان محمد يطلع والدته علي كافة التفاصيل، ويضعها في صورة المستجدات الحاصلة، فكانت تشجعه وتأخذ بيده، وتشحذ همته، وتعلي من عزمه، وتشد من أزره، وتبقي علي درجة حماسته وتفاعله وثباته عالية دون نقصان. وما هي إلا أيام قليلات حتي كان التخطيط للعملية الجديدة قد استكمل مداه، واستجمع تفاصيله، ليبدأ العد التنازلي للتنفيذ، ويبدأ محمد مرحلة جديدة في حياته، مرحلة ملؤها الفرح والسرور، ملؤها الشوق للشهادة واستقبال الآخرة، بروح شفافة، ونفس مطمئنة، وقلب عامر بالإيمان، والثقة بنصر الله.

وكما بدأ محمد مرحلته الجديدة، بدأت أم نبيل مرحلة جديدة في حياتها أيضاً، إذ لم يعد يفصلها عن استشهاد ابنها ومحبوبها وفلذة كبدها، ومفارقته، سوي أيام بل ساعات معدودات، مع ما يعنيه كل ذلك للأم وما تختزنه في قلبها من حب وحنان، وما تملكه بين جوانحها من عاطفة أمومة جامحة لا تضاهيها أية عاطفة إنسانية علي الإطلاق. ومع ذلك، عضت أم نبيل علي آلامها وأحزانها، وتجاسرت علي مشاعرها وعواطفها، موكلة أمرها إلي الله تعالي، محتسبة كل ما قد يصيبها عنده سبحانه، موقنة أن حب الله يجب أن يعلو أي حب آخر، وأن التضحية في سبيل الله تقتضي بذل الأغلي، وتقديم الأحب، وعدم البخل علي الله بأي شيء كان، مهما كان جليلاً، أو بلغت درجة كبره وعظمته، ومستوي أهميته وحساسيته.

كان مشهد الوداع بين محمد ووالدته في سياق شريط فيديو مصور، ظهرت فيه أم نبيل تمتشق البندقية، وتزين جبهتها بعصابة خضراء موشحة بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ، إلي جوار زوجها أبو نبيل، وتهمس لولدها محمد بكلمات حثته فيها علي الثبات والجلد في مواجهة الأعداء، ودعت له بالتوفيق والسداد، وأن ينفذ عمليته بنجاح وينال الشهادة التي تمناها، وقالت له: اذهب علي بركة الله وعد شهيداً كما تمنيت، واطلب من الله ألا تصاب بجروح وتقع أسيراً في يد الاحتلال، بل عد إليّ شهيداً .

وتابعت أم نبيل: كنت أعلم بموعد تنفيذ العملية بالضبط، وقبل أن يخرج، من المنزل عصراً ليتوجه إلي مستوطنة نتساريم يوم 12/3/2002م احتنته وقبلته بحرارة ودعوت له بالتوفيق، وقلت له: ها هو الموعد قد أزف، وأنا أنتظر أن تعود إلي شهيداً، وأوصيته: كن صامداً وصبوراً وصابراً، ووجه سلاحك بدقة في وجه الأعداء. وقلت له خذ أمتعتك ولا تترك للأعداء الفرصة لقتلك قبل أن تثأر منهم لأبناء شعبك وأهلك، وبعد خروجه من المنزل وتوجهه إلي المستوطنة بقيت أصلي طيلة الوقت، وانتظرت الخبر السعيد، خبر استشهاده .

وتصف والدة الشهيد اللحظات الأخيرة التي سبقت تلقيها نبأ استشهاده قائلة: كانت فترة عصيبة جداً كنت فيها علي أعصابي، أدعو وأصلي لله، وقد صليت صلاة الاستخارة بأن يعود إلي ابني محمد شهيداً وقد نفذ عمليته بنجاح، صليت حوالي أربع مرات طيلة الليل، ولم أذق طعماً للنوم، والحمد لله نلنا ما تمنيناه .

قالت له: وداعاً ولم تبك، طبعت علي جبينه قبلة حارة، وقبلت سلاحه، وانزوت في غرفتها تدعو له بالتوفيق والسداد، وحين جاءها خبر استشهاده أطلقت زغرودة عطرة، وتحدثت عنه بفخر منقطع النظير، ولسان حالها يقول: إن الأم التي لا تودع ابنها إلي الشهادة أو الزنازين بالزغاريد لا هي حملت ولا ولدت.

وإثر تلقيها نبأ استشهاده تؤكد أم نبيل أن فرحتها كانت لا توصف، وأنها شكرت الله تعالي علي تشريفها باستشهاد ابنها، متمنية علي الله أن تلتقي به في مستقر رحمته يوم القيامة، وتمضي والدة الشهيد في حديثها الصريح وقد رسمت ابتسامة فخر علي شفتيها تقول: كنت قد اشتريت الحلوي وأعددتها قبل خروج محمد من المنزل، ولم يعلم بذلك أحد، وما أن تلقيت نبأ استشهاده حتي قمت بتوزيعها علي الجيران وأطلقت زغرودة .

وتسترسل أم نبيل في حديثها عن نجلها الشهيد، موضحة أن محمداً استشهد وما زال الرصاص داخل جسمه، مشيرة إلي إصابته ثلاث مرات منذ اندلاع انتفاضة الأقصي، حيث كان دائم المشاركة في المواجهات في العديد من الأماكن، حيث شارك في المواجهات قرب مستوطنة نتساريم ومعبر بيت حانون ومعبر المنطار، وأصيب ثلاث مرات بجروح مختلفة، ولا زالت رصاصة صهيونية تجثم في قدمه اليسري لدي إصابته برصاص الاحتلال في مسيرة المليون التي شارك فيها الآلاف من أبناء شعبنا قبل اندلاع الانتفاضة، وتضيف أم نبيل وقد غلبت عينيها الدموع: لو لم يذهب ابني للاستشهاد يوماً، لكان قد توفي في فراشه، فهذا قدره، وقد علمني بصبره وإيمانه كيف أباركه حتي اللحظات الأخيرة من توجهه إلي المستوطنة .

وتؤكد أم نبيل أن ابنها الشهيد خلف وراءه ذكريات عطرة لا يمكن أن تنساها، فقد كان دائم الابتسام والمداعبة مع إخوته وأصحابه في المنطقة، وكانت أعماله كلها جيدة، مشيرة إلي أن محمداً سيظل عالقاً في أذهان أهله إلي أن تقوم الساعة، وأنها ستبقي تذكر خطواته عند عودته في وقت متأخر من الليل، وعند عودته من المسجد.

وفي عرس شهادته وقفت أم نبيل، بكل ثبات وشموخ، تستقبل المهنئات في ثياب الحداد، ودون أن تلطم الخدود وتشق الجيوب، بل وقفت تستعرض أمام مهنئيها شريط ذكرياتها مع نجلها، وأبرز المحطات والمواقف المفصلية في حياته قبل أن يرتقي إلي العلا شهيداً، وتزغرد قائلة: أحتسبه شهيداً عند الله ، وتدعو الله له بقولها: اللهم اجعل هذا العمل في ميزان حسناته، يا رب أنت أعلم وأدري بالحال، ولكن الموت في ظل المقاومة أفضل ألف مرة من الموت علي فراش المرض .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشق الاخوان المسلمون
عضو متميز
عضو متميز
عاشق الاخوان المسلمون


عدد المساهمات : 192
نقاط العضو : 332
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 30/05/2010
العمر : 35

نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نساء فلسطينيات في الانتفاضة    نساء فلسطينيات في الانتفاضة  Emptyالثلاثاء أغسطس 24, 2010 5:02 pm

أم الشهيد إبراهيم السعدي

بين ذكريات الشهادة والشهداء، والاعتقال والسجون، تعيش أم إبراهيم وأسرتها في بيتها بمخيم جنين الذي يغيب عنه أغلي أحبتها بين شهيد ومعتقل: قتلوا اثنين من إخوانها واعتقلوا اثنين آخرين، وقتلوا ولديها وجدتهم وأخيراً اعتقلوا زوجها. هذه قصة نوال السعدي، زوجة الشيخ بسام السعدي، قائد حركة الجهاد الإسلامي في شمال الضفة الغربية، والذي اعتقلته قوات الاحتلال ونكلت به أشد تنكيل. 

هذه السيدة التي لا تكاد تتجاوز الأربعين من العمر. ففي أيلول من العام 2001، اغتال جنود الوحدات الخاصة الإسرائيلية نجلها عبد الكريم، الذي كان ناشطاً في سرايا القدس بمخيم جنين، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بعد أن كان مطاردا، بدعوي تجمع معلومات استخبارية تؤكد مشاركته في عمليات المقاومة في المنطقة.
فاستقبلت النبأ بالتكبير، وألقت رأسها فوق رأس فلذة كبدها في منظر فجر الحزن والدموع لدي كل من التف حولها، وهي تمسح وجهه وتردد: مبروك عليك الشهادة يا بطل، نلتها الله يصبرني، وإن شاء الله إحنا علي دربك ماضين والله والله ليدفعوا الصهاينة الثمن ، وطلبت أم إبراهيم من الجميع عدم البكاء علي عبد الكريم، لأنه بطل قاوم واستشهد وهو يتمني الشهادة.

وبعد سبعة أشهر استشهد الابن الثاني إبراهيم، وهو توأم عبد الكريم، برصاص الاحتلال أثناء تصديه لقوات الاحتلال في إحدي عمليات الاجتياح التي تعرض لها المخيم. وعلي الرغم من قساوة الخطب وثقل المصاب، إلا أن نوال السعدي ظلت صابرة. وفاجأت جاراتها ومعارفها اللواتي قدمن للمنزل يبكين إبراهيم، فما كان منها إلا أن طالبتهن بالكف عن البكاء والاكتفاء بالدعاء لنجليها عبد الكريم وإبراهيم.

لحظات وذكريات رحلة المعاناة:

مسلسل المآسي الذي توالي علي هذه الأم المجاهدة ابتدأ منذ أن اقترنت بالشيخ بسام راغب السعدي، الذي تفتخر بالاقتران به. وتقول انها لا تذكر أنهما عاشا معاً أكثر من شهر منذ الزواج الذي تم عام 1979. فقد اعتقل جيش الاحتلال الشيخ بسام أكثر من عشر مرات، وفي أواخر عام 1992 من القرن الماضي، تم إبعاده إلي مرج الزهور في جنوب لبنان. وبعد عودته من الإبعاد، بعد عام بين الصخور ووسط أجواء من البرد والمطر والثلوج، اعتقل فوراً، وظل في السجن عدة أشهر. وتؤكد أم إبراهيم أنها أنجبت جميع أبنائها في غياب أبيهم، في وقت تكون المرأة في أمس الحاجة إلي وجود زوجها إلي جانبها. 

ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصي تحولت حياة عائلة نوال السعدي إلي جحيم حقيقي، فالزوج، القيادي في حركة الجهاد، أصبح مطلوباً، ولأنه رفض تسليم نفسه أصبح المنزل يتعرض للمداهمات. وبعد انضمام نجليها إلي الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تكاثفت عمليات المداهمة للمنزل، وبعد ذلك قام الاحتلال بتدمير المنزل وإحراق منازل أشقاء الشيخ. فانتقلت العائلة إلي بيوت مستأجرة، ولكن جنود الاحتلال لم يتركوا هذه العائلة المجاهدة، حيث أخذوا يداهمون تلك المنازل ويطردونها منها. 

وفي إحدي المرات، داهموا أحد البيوت التي استأجرتها العائلة، وقام الجنود بالتحقيق مع الحاجة بهجة السعدي (75عاماً)، والدة الشيخ بسام من أجل أن تقدم لهم معلومات حول مكان اختفائه، ونظراً للضغوط التي تعرضت لها في التحقيق، توفيت تلك العجوز علي الفور، وشيع جثمانها دون أن يتمكن الشيخ من مرافقة أمه إلي مثواها الأخير. وإلي جانب ذلك فان جنود الاحتلال قد أطلقوا النار علي عز الدين، نجل نوال الأصغر، فأصابوه في ساقه، وبعدها بأيام قام الجنود بقتل الطفل بسام غسان السعدي، ابن شقيق الشيخ بسام والذي كان يحبه بشكل كبير.

تضحيات نوال السعدي لا تقف عند هذا الحد، ففي الانتفاضة الفلسطينية الكبري عام 1987 استشهد شقيقها محمد السعدي (21عاماً)، وكان مطارداً لسلطات الاحتلال، وكان شقيقها الثاني قد استشهد أيضاً علي أيدي جنود الاحتلال في عام 1982 أثناء دفاعه عن الثورة في لبنان، كما أن شقيقيها محمود وناصر معتقلان في السجون الصهيونية. 

لم يعد في عائلة السعدي مطاردون بعد اعتقال الشيخ وتصفية نجليه، لكن خنساء فلسطين تشعر بحزن وحسرة شديدة كلما نهضت كل صباح من فراشها لتجهز أطفالها للمدرسة، بينما لا زال مقعد ابنها عز الدين في مدرسته فارغاً جراء غيابه القسري مع والده في سجون الاحتلال الصهيوني. وتتذكر أم إبراهيم أن المخابرات الصهيونية، وخلال اعتقالها الشيخ بسام، هددته باعتقال جميع أفراد أسرته، واستخدمت عز الدين كورقة للضغط عليه للإدلاء باعترافات، ثم نقلت عز الدين إلي سجن النقب وحولته للاعتقال الإداري دون تهمة أو ذنب.

ورغم تلك المآسي، نشرت إحدي صحف العدو الصهيوني مقابلة مع أم إبراهيم تحدثت فيها عن حياتها في ظل هذه الظروف حيث قالت: هذه ظروف صعبة دون أدني شك، لكنني لا أشعر بالأسف... إنني مستعدة للتضحية ببقية أولادي في سبيل الجهاد وفي سبيل فلسطين. وما أقوله إنساني إلي أبعد الحدود: ديننا يأمرنا بالجهاد، وكل من يؤمن بدينه يجب أن يسلك طريق الجهاد من أجل تحرير هذه البلاد والأقصي، عندما أقول: إنني مستعدة للتنازل عن أولادي فأنا أقصد ما أقوله فعلاً... إنني فخورة جدًا بأن يموت أولادي كشهداء، فهذه أجمل طريقة نعيد بها الهدية التي منّ الله بها علينا، حياتنا هدية من الله ونعيدها إليه بالموت كشهداء، كل شيء في سبيل ديننا وفي سبـــــيل فلسطين، فلسطين كلها لنا، لا أريد أن تتوقف الانتفاضة، أريدها أن تتوقف بعد أن نحرر الأقصي فقط... لا أندم علي هــــذه الحياة، فالجهاد هو طريقي أيضًا، لقد أدركت طيلة الوقت ما يؤمن به زوجي وأنا آخذ قسطاً في هذا النضال، أشارك في المظاهرات، وقمت بدفع ثمن شخصي .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نساء فلسطينيات في الانتفاضة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الانتفاضة الفلسطينية الاولى
» تغطية خاصة // الأقصى بين الهدم والتهويد
» الصحافة الصهيونية / الانتفاضة القادمة -هآرتس::

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى لمسات للثقافة العامة :: الزاوية السياسية :: الثقافة السياسية-
انتقل الى: