ملتقى لمسات للثقافة العامة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى لمسات للثقافة العامة

اهلا وسهلا بك يا (زائر) في (ملتقى لمسات للثقافة العامة) ,, نتمنى ان تقضي معنا وقتا طيبا
 
الرئيسيةmainfourmاليوميةالأحداثمدوناتس .و .جبحـثأحدث الصورالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فجر فلسطين
عضو مشارك
عضو مشارك
فجر فلسطين


عدد المساهمات : 25
نقاط العضو : 59
تقييمات العضو : 0
تاريخ التسجيل : 07/01/2010
العمر : 45

رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد Empty
مُساهمةموضوع: رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد   رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد Emptyالجمعة يناير 08, 2010 1:22 am

قامت " القضية الفلسطينية " شاخصةً في هذا العصر كمثالٍ واضحٍ لكيفية حصول الظلم والقهر، ويسمى اجتماعهما في لُغة العرب " الضُهْدَة "، وهي : (الغَلَبة والقَهْر، وفُلان ضُهدة لكل أحدٍ : أي كلّ من شاء أن يقهره : فعل)(1).

˜ وشاء الله تعالى أن يكون الشعب الفلسطيني " ضُهدة " لليهود والدول الكبرى على مدى قرن كامل، سبقه قرن تمهيد لذلك منذ زمن نابليون، وإذا جعلنا تفريط المسلمين في أمر فلـسطين وجهاً آخر لحـقـيـقة الضـهـدة، فإن وصف حـصـول الظـلـم من " كل أحد " كما هو في النص يكون صحيحاً دقيقاً.

˜ وما كان هناك تفريط تام من أهل فلسطين أو من عامة الاُمة الإسلامية، وإنما حاولوا ودافعوا مراراً، ولكن العمل إذا لم تسيطر عليه خـُطة ماهرة، ولم تستوعبه قيادة مخلصة واعية، ولم يخدمهُ إعلام مكافئ وتمويل كاف : يكون إلى الفورة أقرب، وبــِـردّة الفعل الساذجة أشبه، وذلك كان قـَدَر فلسطين، حتى نشأت حركة " حماس " وفرضت نفسها في الساحة، وصارت تـُمثل كُتلة جهاد، بأيادٍ طاهرة، تـتـقدم على بيّنةٍ ودراسة ورؤية استراتيجية واعية، ووضوح عقيدي وفكري، فصار يُؤذن لكل مسلم أن يُبَشّر بنصر منتظـَر.

˜ وفي الحياة الإسلامية الأولى كانت هناك ممارسات لمعاني الحرية تبقى هي الجذر لمن يريد التأصيل وإحياء طرائقها، ورجال الشرع في المقدمة، وفي التعريف بشُريح القاضي أنه كان ( لا يجيز الاضطهاد ).

وإنما يعنون ما في حياة الناس اليومية من تظالم وقهر حين التصرف والتعاقد، ولكنه إيماء من شُريح إلى ما هو أكبر، وتعليم منه لكل مسلم أن يسعى نحو الحرية ويكون أبياً، ومعاني الحرية السياسية إنما تبنـى على أساس من معاني الحقوق المدنية وعدالة القضاء، وإشارات القاضي النزيه هي البيئة المربية للمجاهد والسياسي المنتفض.

q " حماسٌ " استحالت مذهباً في الجهاد مُتميزا


وتكتسب هذه الأحاسيس بُعداً نفسياً آخر حين تكون فلسطينية، بسبب الهجرة القاسية التي فُرضت على أهلها، فالمهاجر؛ والطريد المظلوم : يحن إلى وطنه حنيناً شديداً، ويحس أنه كالجمل المأسور عن الحركة، وهو قول ذي الرمة :

كأنني نازعٌ : يَـثـْـنيه عن وَطَــــنٍ

صَــرْعـــانِ : رائـــحةً : عَقْـــــلٌ، وتقـــيــيــدُ

(الصرعان : نصف النهار الأول، ونصفه الآخر)... (يقول : كأنني بعير نازعٌ إلى وطنه، وقد ثناه عن إرادته عقلٌ وتقييد، فعقله بالغداة : ليتمكن في المرعى، وتقييده بالليل : خوفاً من شـراده)(2).

وتفصيل الشطر الثاني أنهما صرعان اثنان : عقلٌ رائحةً، أي ربط رجليه عند الرواح آخر النهار، وتقييدٌ غدوةً، لكنه حذف ذكر الغدوة التي هي أول النهار من باب الاكتفاء بما أشار إلى وجود صرعين.

فكذلك الفلسطيني المقيد : نصف دهره في هموم المعيشة، ونصف في الكبت وإبعاده عن مقدمات الثورة والجهاد، ويُراد له ألاّ يشرد من خطط الترويض.

˜ ولئن نـجـحت خطط العدو في إرهاقنا حيناً، فإنّ ذلك لا يشفع لليأس أن يجد له طريقاً إلينا، لأن النظر الفاحص إلى تصاريف الدهر وطبائع الحياة يعظنا أنه ما من حال يدوم، وأن الرهق يتلوه انفراج ولابد، وفي ثنايا ذلك تـتاح فرص الاستدراك والتعويض... فمن أهم الملاحظات في " حركة الحياة " أنها ليست تياراً متصلاً، بل متقطعاً، وهذه الملاحظة هي من العلم الشائع المتفق عليه بين البشر، والتي ترجمها الشاعر فروة بن مسيك المرادي فقال :

كذاكَ الدهرُ دولــَتُه سِـــــجــــــالٌ

تَــكُـــــرُّ صـــروفُـــــــــه حِيــــنـــاً فحيــــنــــا(3)

وقول الناس في الأمثال : الأيام دُول.

فالتغير صفة دائمة، بل هو الذي يولد التحريك، ولا يركد على حال واحد، وإنما هو دائم التبدل.

˜ وهنا يكون لكل أحد حق التجريب، فتكون طرائق العمل هي المعوّل عليها في حصول أمل، أو بقاء في المتاهة، كما قال تعالى :
( قُلْ كُلٌّ يــَــعْمَــلُ عَــلَى شَاكِلَتِهِ )


(أي على طريقته وجَدِيلته ومذهبه).. (والشاكلة : الناحية والطريقة)(4).

وهذا هو الذي يجعل لطريقة " حماس " في الجهاد القيمة الكبرى، فالقضية غير متعلقة بزعامة، ولا بانتخابات، وإنما بمنهجية شاملة ومنظومة قـِـيَم وخطط متكاملة، وجدارة حماس فرعٌ لوضوح الطريقة، وإبداع قيادتها إنما هو من نتاج الفكر الذي تؤمن به.
q ضَربَة مْعَلِّم


˜ وكما كانت " الوسطية " عنوان سلامة الفكر الإسلامي لما أرادت أن تجنح به التـطرفات : فإن " الوسطية السياسية الجـهادية " هي الركــن الأوثـق الذي أسنـدت إليـه " حـماس " ظـهــرهـا، فاسـتـقــامت مـواقـفها، وصــار التــعـقـّـل سـمةً لها، و " النسبية " بابَ تأويل لما يُظن أنه من التناقض، و " الجمعَ بين الصوابين " مخرجاً آمناً من اُحـادية النظر، وكـأن " حماس " قد أذعنت في مبتداها وعند توغلها لوصية حكيم العرب أكثم بن صيفي التميمي حين قال :
(من جهة التواني وترك الرويّة : يَتلَف الحزم)(5).


وهو يشير إلى ضدين متطرفين فيهما فواتُ مواتاة الفرصة : تكاسلٌ وتمريض وإبطاء، أو استعجالٌ لا يُتاح معه تدبر وتخطيط، وإنما الحازم المتوسط الذي تكون بين نهضته وهجمته وقفة تأمل.. وكأن ترك الرويّة أخطر من التواني، إذ المتواني قد يُوعَظ فيستدرك فينال نصف النـتيجة إن ذهب عنه كمالها، ولربما أمسك ذيل الفرصة إن لم يستقبلها، ولكن المتهور مردود، فيثـّاقل إلى الأرض مُحبَطاً، ولن يستطيع الحركة إلا من بعد دهر تـَسليةٍ وعلاج، ومن خبرهما يعرف المجاهد والقيادي الدعوي إبداع المواتاة في الزمن المضبوط الصحيح.

ونزول " حماس " اليوم لميدان المنافسة، وحضورها انتخابات المجلس التشريعي الفلسطينـي هو خطوة حازمة في الوقت الصحيح، وتجسيد مُتقـَن لشعار " إبداع المواتاة"، وكمنت خلفها شجاعة، تمدها انتصاراتها في الانتخابات البلدية.

˜ وكان أجدادنا يقولون :
( مَن جَسَرَ : أيسر، ومَن هابَ : خابَ)(6).


وما هي بدعوة للتهور، ولكن مفاد التجريب الحيوي واضح، والتاريخ يبرهن على أن الدنيا – في جزء من طريقة أخذنا لها – إنما تؤخذ غلابا، وهذا الغلاب يحتاج مبادرة وثقة بالنفس وإقداماً وسرعة قرار، إذ الميدان مليء بالمنافسين، ومعهم الوسائل والأموال، وأيما مبالغة في طلب النـتيجة المضمونة كأنها تـتضمن بذرة خوف صغيرة يمكن أن تنمو تحت غطاء الإسراف في الحذر لتكون عائقاً نفسياً يصد عن استثمار الفرص، فيتركها لشهواني وخياني، فما يعود ممكناً غير اللوم وتـقريع الذات، فـتـكون الفتن الناحـتة للرصيد، ولو كـان جَسَرَ الرائـد عند تلك الـلحظة لاستراح دهراً، ولذلك تـكون " حماس" قد تجنبت سلبيات كثيرة بمبادرتها المستوفية لأوصاف التخطيط المتقن.

˜ مع أن المؤمن يعتقد أن الأقدار هي فوق هذه الفنون من الريث والعَجَل وقواعد التخطيط، وهي كما قال الشاعر البُعيث :

وارسل فيها مالكٌ يَسْتَحِثـُّـها

وأشفق من رَيــبِ المنُـــــــونِ ومــا وَألْ

أمالكُ : ما يَقْـــدُر الله تَـــلْقَــهُ

وإنْ حُمَّ ريثٌ من رفيقِك أو عَجَلْ(7)

فمالك يريد أن يسابق الموت الذي يحيط به وبرفيقه، فأرسل رسالة بذلك، والضمير " فيها " يعود لهذه الرسالة، ولكن البُعيث يعظه أن الأقدار أعلى، ولا يمنع ذلك من اتخاذ الأسباب، لكنه تذكير بأن يتوقع ما لا يرغب.

˜ إنما شأن المؤمن أن لا يستسلم للقـَدر السلبي الواقع، فضلاً عن الاستسلام لهواجس وقوعه، بل من تمام إيمانه أن يُصارع قدر السوء بقدر الخير، و " حماس " في جميع خطواتها إنما توازن وتداري، وتشد جاذبة ثم تـُرخي ثم تشد، وتلك هي قوانين الممارسة السياسية والجهادية، وصورة قادة " حماس " هي صورة البحّارة تميل بهم سفينتهم، بدفع الريحِ الشراعَ، فيجذبون حبال الشراع من أجل التوازن ولئلا تنقلب، وهو المنظر الذي نراه اليوم في شاشة التلفاز عند سباق اليخوت، لكنه منظر قديم انتبه له شاعر البداوة العجاج فقال تخليداً له :

لأياً يُثــــانِــــــيـــــهِ عـــن الحــــــــــؤورِ

جـــــــذبَ الصَّـــــــــــرارِيِّينَ بالــكُـــــــــــرُورِ(Cool

أي : هؤلاء الصراري البحّارة يجذبون الكُرور التي هي الحبال بنوع من الإبطاء، لثني السفينة عن أن تحور وتـتأرجح.. ولفظ الشرح في اللسان : (أي يثني هذا القرقور عن الحؤور : جذب الملاحين بالكرور، والكُرور جمع كَرٍّ، وهو حبل السفينة الذي يكون في الشراع)، والقرقور : نوع من السفن، وما زال هذا اللفظ مستعملاً في خليج العرب، ولفظ اللسان : (ويُقال للسفينة : القرقور، والصُرصور).

فهذا الرصد لهذه الحركة الحيوية الجزئية البحرية : إبداع من بدوي ذكي، بل إعجاز، لأنه كما وصف لنا الناقة والصحراء كثيراً : وَصَفَ البحر ومُخُور السفينة، فأجادَ تأمل حكمة الحركة الحيوية الشاملة، ويهمنا من أمره هنا : توازن السفينة، ثم يهمنا من أمر حماس : توازن الأداء والمواقف في أيام صعبة، معادلاتها معقدة، وشد الحبال أصبح فنـّـاً دقيقاً، وعلى مَن يريد الإبحار الآمن في محيط العولمة وليس بعيداً عن سخونة أحداث العراق : فإن عليه أن يتقنه.
q أكرم المواهب هلالٌ.. وفيصل !!


والشهادة وافرة : أن " حماس " قد أتقنت ووفت.

وسبب نجاحها ونيلها الإتقان : أنها لا تعتمد العمل الجماهيري الكمّي، وإنما العمل التربوي الانتقائي والتقاط الصفوة وتعليمها في الخلوات وتفقيهـها قبل تدريبها للمصاولات، فتتوافر عناصر : لها مع قوة الشكيمة بُعد نظر، ويكون الالتفاف الجماهيري مظهراً لوجود هؤلاء الجنود الفقهاء.

˜ وفي يوم الحاجة : تتميز معادن الرجال.

وعند المعارك : إنما يَحْمَرّ الباتر إذا هزّه ذو قلبٍ فائر.

والسلاح إذا أتلفه الصدأ : لن ينجد بطيئاً مهما بنفسه رَبأ.

وما الناسُ إلا كالسيوفِ اختلافهم

فكلٌ مُحلَّى الجَفنِ، والبعضُ قاطفُ(9)

فكما يُزين الناسُ قُرابَ السيف بذهب وجوهر يلمع، ويتنافسون في ذلك ويتزايدون، لكن الصفائح في الداخل تختلف حداً، وتكون قواطع وعُمياناً : يتجمل الرجال كذلك بالملبس والمنصب واللقب، وبعض القلوب تحت ما ظهر لا عزم لها،ولا رواء فيها، ولا نأمل منها نفعاً ولا حركة، ولا في الخير مساهمة، وإنما هي مثل ثمرة تلفَ لُبّها، وبقيت قشوراً.

لكن السيف جَعَـلَتـْهُ " حماس " : أكرم مواهب الله لأهل فلسطين، ولأهل العراق حين غزاهم رعاة البقر، وللمسلمين عموماً، ولأحرار البشر، عبر عدوى الخير، وإملاء في اللاشعور مع كل خبر جهادي ومع صورة كل شهيد يسبق إخوانه إلى الجنان.

وصارَ السيفُ في لغة " حماس " :

آلة النجدة، وعُدّة العِزّة، وظهير الحزم..

وسَنَد الرجل، وحارس الحريم، ومانع الجار..

ورسولاً إلى المطالب ناهضاً..

وخادماً في المآرب نافذاً (10).

وممارسات " حماس " قسمت الناس إلى فريقين في العالم كله.

فمن الرجال رموز للعزة، قد تزينوا بالحزم، وتصدوا لمنع العدوان على الاُمة، ونهضوا إلى كل مطلب رفيع، وجعلوا المحور الدعوي مركز الانطلاق المنهجي لكل عمل جهادي ينوون إتقانه.

وبجانبهم عاجز وكسول وفوضوي، ورجعي لا يعيش عصره، وجاهل يزهد بالعلم، وجبان يخاف المصاولة، وأناني يقعد على التل يتفرج على المعركة.

واتضح الفُرْقانُ إلى درجة أن كل مخلص اضطر إلى أن يسأل نفسه : إلى أي الفريقين ينتسب؟ ولربما اتهم مخلص نفسَه، لأنه لا يرى للبذل حدوداً غير الحدود العليا التي مارستها " حماس " وصارت مثلاً.

˜ وعبر القرون : كان لفتيان الجهاد عشق غير ما الشباب فيه من الهوى، ولهم حَومٌ حول كرام المعاني، وتعتريهم خَلَجات ساميات، وبين معشرهم تناصح، ويقول الواحد لأخيه إذا ذكر حبيبته وحليلته : أن اصبر :

واسْـــــلُ عن الحِبِّ بمضْــــــلُوعةٍ

فَــــوَّقَـــــهـــا البـــــــــــــــــــــــاري ولم يَــــــعْــــــجَلِ

(وقوس ضليعٌ ومضلوعة : في عُودها عَطَفٌ وتقويم، وقد شاكَلَ سائرُها كَبـِدَها)(11).

والبيت للمُتـَنخـّل الهذلي، ومجمل معنى نصيحته أنه إن أبعدته الأيام عن حبيبةٍ : فإن له سلوى وعوض بقوس أطال جهدَه باريها في نحتها حتى تناسقت أطرافها مع أوساطها، فجاءت نموذج كمالٍ في جمال، وشارة عِزّة، وآلة ذود، وملهمة مربّية لنفسٍ وقلب، وأسمى ما هنالك أنها هوية انتساب لعُصبة الجهاد الشريف، ولئن مشى الدنيوي بغرور، فإنّ الأخروي ذا القوس المضلوعة المنسابة يتبختر بثقة ويقين، وهو إمام المحبين.

وهذه القوس المضلوعة : صوّرها شاعر البداوة " رؤبة بن العجاج " في مثال ثان بِهِلال الإيمان، وقال :

كأنـــها في صــدره تحتَ العُنُــــــــق

مــثــلُ هلالٍ بينَ ليــــــــــــــــــــــلٍ واُفُـــــــــــــــــــق(12)

فانتبه لهذا التصوير الفخم الذي كلّه إيماء إلى رجولة وبطولة.

صارمٌ يقف منتصباً، وقد رسم القوسُ ورمز القوة فوق قلبه هلالاً هو رمز الفطرة والإسلام، فتداخل المعنيان وتكاملا، فصاغا مهابة وجلالا.

˜ وتلك طريقة " حماس " من يوم جزمت بهويتها الإسلامية، فوضعت كل التراث التجريبي الجهادي منهجاً تربوياً لمجاهديها، بداية بعصر الصحابة الكرام، مروراً بالعصر الأوسط، ومواصلة وتفاعلاً مع أحوال مجاهدي العصر الحاضر.

وهي تروي لفتيانها أول ما تروي : كيف كان شباب الصحابة أهل فروسية وإتقان لها، ففي خبر عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن النبي r ( سَبَّقَ بين الخيل).. قال : ( كنتُ فارساً يومئذ، فسبقتُ الناسَ حتى طَفَّفَ بي الفرس مسجد بني زُريق، حتى كاد يساوي المسجد).

(قال أبو عبيد : يعني : إن الفرس وَثَبَ بي حتى كاد يُساوي المسجد)(13)، أي في ارتفاعه، أي كأنه كانت هناك موانع عالية يجب على المتسابق أن يجتازها، كما هي اللعبة اليوم، وأصل الحديث في صحيح البخاري.

فكأنَّ القارئ لأخبار ابن عمر في العبادة ورواية الحديث يظنه ناسكاً لا يُحسن غير الجلوس ونشر العلم، وهو الفارس الأول.

˜ ثم تروي مثل خبر أبي سعيد خلف بن محمد اليحصبي السُرتي المالكي المتوفى سنة 319هـ، وقول ولده سعيد :

(كان أبي قد قرأ القرآن على أبي عبد الله محمد بن خيرون المقرئ زماناً طويلاً، وكان ابن خيرون إذا خرج إلى سوسة يرابط : خرج أبو سعيد في إثره.. وكان له صوتٌ حسن بالقرآن... قال ولده : لقد كنتُ أخرج معه للرباط فينزل بنا كل ليلة في شهر رمضان ويجتمع خلفه جماعة، فاسمع البكاء والشهيق من كل مكان.. وكان يُحسن الفروسية، مولعاً بشراء الخيل، ويخرج إلى الرباط بها للحرس على المسلمين.. وكان ربما خرج من سوسة هو وأبو جعفر أحمد بن سعدون الأربسي، وأبو بكر بن أبي عقبة، فيقفوا صفاً واحداً، كأن العدوّ بين أيديهم، ويُجرون خيلهم في ذلك الموضع حتى تطلع الشمس)(14).

˜ وأما التجربة المعاصرة فإنها لا ترويها، لكنها تعانيها، وتكون أصل ذاتها، وانفعلت بها مدة ثم أصبحت فاعلة صائغة لها، وهي تجربة صيرورة " المجتمع الفلسطينـي المهتم بالقضية الفلسطينية " بيئة جيدة الأوصاف لتلقين وتعليم فن الجهاد لكل العالم الإسلامي، بل والفن الثوري لكل العالم، ومهارات القيادة وأساليب التعامل مع تعقيدات العلاقات الدولية وعنفوان العولمة.

وأصل خبر هذه الـمُـكنة الحماسَوية التي آلت إليها من مجموع التجربة الفلسطينية أن الظاهرة القيادية في تحريك الحياة لا تكون من قائد فرد فقط، أو من تنظيم وحزب فقط، بل تكون أيضاً من مجتمع له خصائص ممنوحة من نمط معيشته هو داخل المجتمع الكبير، وأوضح مثل لذلك " المجتمع القرشي " ودوره القيادي بالنسبة للمجتمع العربي الكبير، بما أتاحت الحياة التجارية لقريش من ذلك، وأتاحه حج العرب إلى مكة.

ويشرح أبو بكر الصديق t ذلك ويسوّغ في حديثه للأنصار يوم السقيفة سبب تصدّيه للخلافة ويقول : (إنما جـِـيْـبَـت العربُ عنا كما جِـيْـبَـت الرّحى عن قُطبها، فُكنّا وسطاً، وكانت العرب حوالينا كالرّحى)(15).

والجَوْبُ : قطعك الشيء، كما يُجابُ الجيب، جـِـيْـبَـت العربُ أي خُرِقت العرب عنا فكانت قريش القطب الذي تدور عليه العرب، وهي المنزلة القيادية التي نشأت بتدرج وعلى مدى طويل من غير اصطناع وتكلف.

وأهل الحواضر عموماً يكونون أوعى من أهل البداوة وأشد مراساً للسياسة، ثم أهل العواصم أكثر انفعالاً بها من أهل الأطراف، وأي مدينة أو إقليم يكثر فيه الأدب وتداول العلم والبحث الفكري يصير بعد دهر مؤهلاً لتأثير قيادي فيما حوله.

ولأن هذه الظاهرة موجودة : فإن التوجه الدعوي مال ذاتياً لأن يتقصد السيطرة من خلالها على بعض الحركة الحيوية وأن يكتشف الفرص المتاحة من حوله لينميها.

والكتلة الفلسطينية الجهادية الناصرة للقضية الفلسطينية وصلت إلى هذه الدرجة من الامتلاء بالزخم الكامل وإمكانية سريان طرائقها وخططها وقناعاتها وتجاربها إلى كل قضية أخرى فيها ضُهدة وظلم، وكان أوضح ذلك تأثيرها المباشر والحاسم في " القضية العراقية " وسرعة الاستجابة العراقية لنداء الجـهاد، فتـكاملت القضـيتـان، وتداخلتا، واتـحد مصـيرهما، وذلك أوفـى نـجاح " حماس ".
q تبقى الاُهْبة... ولا تشغلنا الاُبـّهة


ومثلما استحال هذا النجاح والامتزاج فَخْراً : فإنه يضع ضريبة مشتركة على القضيتين : أن تستوعبا دروس المرحلة جيداً، على ضوء الوعي القديم، طالما أن التجربتين الانتخابيتين في العراق وفلسطين ليس بينهما غير أربعين يوماً فقط، والوعظ الجامع لهما : أن لا تلقيا السلاح مهما بدت مكتسبات السياسة والانتخابات وافرة، وإنما أجلُ وضعِه : أن يكون انسحاب المحتل، وزوال آثار الاحتلال، ورجوع البلاد إلى أهلها، واستعادة الحقوق.

˜ أهم شيء : أن لا يقع الجهادان في الخدعة الديمقراطية، والاكتفاء بمنصب وزاري، بل ورئاسي.

وفي الأيام الغوابر، قبل ستين سنة : جاهد محمد ناصر وحزبُ ماشومي وجناحُه الضارب " دارُ الإسلام " حتى تحقق استقلال اندونيسيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت الفئة العلمانية المصلحية تريد سرقة الثورة والاستئثار بها دون دار الإسلام وماشومي وعموم الحركة الإسلامية، لكنها تخاف ما بيدها من سلاح، فكانت خطة " الرئيس سوكارنو " الذكية : أن يجعل الرجل الصالح الدكتور محمد ناصر رئيس حزب ماشومي : رئيساً للوزراء، لتُصدقُه نفسُه أنه صاحب السلطة الفعلية، فلما اطمأنّ : زيّن له أن استقرار اندونيسيا رهن بإلقاء المجاهدين السلاح وتسليمه للسلطة، من أجل إتاحة حكم مركزي قوي، فبذل محمد ناصر جهداً مع دار الإسلام، ووظـّـف كل أدوات المنطق والجدال لإقناعها، مؤمناً أنه لا خوف من ذلك، لكونه هو رئيس الوزراء، وأبى قادة دار الإسلام وعاندوا، فزاد ضغطه عليهم حتى أنزلهم من الجبال، وأخرجهم من الغابات التي تحصنوا فيها، وانتزع منهم السلاح، حتى إذا ما أتمّ ذلك : عزله سوكارنو بما معه من قوة، وعاد محمد ناصر يلوم نفسه حتى مماته، وعاد قادة دار الإسلام يوسعونه تقريعاً، ولاتَ حين مَندم بعدما فقد ذراعه العسكري الضارب ضربة ماحقة لم تقم له قائمة مرة أخرى، وسهل عليه سجنهم وممارسة أنواع الاستبداد ضدهم، وما كان الاستئناف ممكناً حتى لو توفر السلاح ثانية، بسبب الصدمة المعنوية التي أحدثها القرار القيادي الخاطئ الموغل في الخطأ وتبسيط الأمور وإبداء السذاجة، ولمكانة العامل النفسي المتردي بعد انتزاع عنوان الشرف وشارته وأداته، فإن التأجيج والحماسة وأنواع الاندفاع التي تبنيها المناهج التربوية في سنوات : يمكن أن تـُبددها انتكاسة نفسية واحدة متولدة من موقف غير واع، ومضت تلك التجربة درساً للجهادين العراقي والفلسطينـي معاً أن يتخذا الانتخابات والاستيزار والوظائف وسيلة من الوسائل السلمية الخادمة للضغط القتالي، ولكن من دون اعتبار ذلك نهاية، وبلا تعطيل للأهداف الاستراتيجية الجهادية الكبرى، وبلا إلقاء السلاح، بل حتى صياغة اتفاقيات الاستقلال والحرية واسترجاع الحقوق تقتضي استمرار وجود السلاح فترة بعدها لضمان التنفيذ وحصول المطالب ومنع التحايل، وأي نزول من جبالنا التنظيمية التي اعتصمنا بها فإنه يعنـي : كشف أسرارنا، وتـخدير الهمم الدفاقة، وبذر بذور الاختلاف في مجموعة المجاهدين بسبب تعدّد الاجتهاد السياسي بين رافض ومؤيد، وفي الشأن الفلسطينـي يتواجه اليوم رصيدان يتنافسان : رصيد الجهاد والإيمان والصدق والإخلاص، ورصيد اُوسلو والخنوع والفساد الإداري والتسلقات على أكـتـاف المستضـعفين، وما يـنبـغـي أن يَـخـدع الخَّـبُّ " خالداً " ، ويذكر "خالد " جيداً كيف كان في السبعينات في مسجد القطان بمحلة النقرة في الكويت يجمع اليافعين من أبناء الجالية الفلسطينية ليلقي فيهم " الراشد " درساً عن ثلاثية الصف الإسلامي وتربية الصفوة وشعور الاستعلاء والمفاصلة، أو عن المعادلات الفقهية الجهادية ومتوالياتها، أو عن الخطو الموزون وإبداع التخطيط، وكيف كانت تلك الجلسات التربوية مثالاً للمحاضن التي نشأت فيـها بـعـض قـيـادات " حماس " وترعرع فيها بعض مقاتليها.

ثم قادة الجهاد العراقي يذكرون الإيماء جيداً إلى قمر عالٍ لا يغيب، وفجرٍ يُبشر، وشمس ساطعة لا تفتر، وقبلهما : يوم الحرب : ذاك الحديث المبكر عن انعدام الأمن الجهادي في ظل المخابرات، والدعوة إلى جهاد فوري بعد أن تنقطع الصواريخ ويكون جندي المارينز وجهاً لوجه مع عراقي رافض يجاهد الكافرين، وقد زادته الأيام موعظة أن يحتفظ بقوته حتى بعد الانسحاب الأميركي ليعالج احتمالات الحرب الأهلية من طرف يغالب حكمة التاريخ مغالبة ويريد إلغاء الطرف الآخر، وقد تداخلت معه الرغبات الشعوبية الآثمة، وأباطيلُ قـُنـّنت في دستور ظالم في غفلة من انتباهة الأحرار وصارت تعتصم به الخطط اليهودية التي تريد تقسيم العراق وتـختفي وراء دغدغات اصطلاح الفدرالية.

˜ وهذا " الاعتداد الصلب "كـله قد أنتج عدداً وافراً من"مـــذاهـب العـمل " و " معادلات الأداء " أصبحت تشكل بمجموعها منهجاً متميزاً في " الجهاد المعاصر " وفقهه واجتهاداته المضافة إلى كتلة " الجهاد الإسلامي " الموروث عبر القرون كابراً عن كابر، وبطلاً عن بطل، ومجتهداً عن مجتهد، وما ينبغي أن يكون منّا اليوم شذوذ أو إغراب أو لين، بل الاعتصام بالمأثور عن الثقات واجب، ونزيد زيادة خير، ونستنبط للواقع الجديد ما يناسبه.

q نستمسك بمذهب الاستظلال تحت سحاب السماء وأغصان زيتون خضر وسعف نخل، لا تحت سرادق تناثرت على أطرافه قطرات دماء المسلمين المظلومين.

q ونفاخر باكتشافنا لمذهب الاستقلال في يوم الاختلاط.

q ونوالي مذهب الكراهة التنزيهية الحنيفية لمقاربة مصادر التلوث.

q ونأخذ بعزيمة الانفطام ومذهب تحريم المراضع إلا من ثدي طاهر.

q ونشمخ بمذهب الاستعلاء في الطريق المستقيم السامي.

q ونميل مع مذهب الاحتياط الفقهي في الخروج من الشك إلى اليقين.

q ونتغنـى بأغاني العفاف وأناشيد البراء والولاء.

˜ وفي كل ذلك مواثيق وعهود وعقود، واثقنا بها الله، وجعلنا الأيام تشهد علينا، والناس شهود، وكتبنا قصصاً، وضربنا أمثلة، وصدحنا بأبيات التفاؤل والرجاء والأمل.

ثــُم اللهُ أغيَر... وهو ولي القَدَر.
q مصالحنا تحدّدها تجاربنا... وتنطلق من فكرة مركزية


ويرغب البعض أن نـخرج من ضيق الاعتداد الصلب إلى سعة التقدير المصلحي، وذلك صواب يحتاج التدقيق، فإن التوسع ينبغي أن يكون وفق مفاد الفقه، وفقهاء "حماس " و " الجهاد العراقي " أجرأ الناس في الموازنات والنظرات النسبية، وجولاتهم عريضة في ميادين الإفتاء المصلحي، ولكن طريقة الفقهاء أجمعين أن يكون هناك التزام بمفاد التجريب، وهو حتم من بعد التزام النص الشرعي، ومفاد التجريب قد يكون بعضه مما يستوي فيه البشر، ولكن أكثره إنما هو فهم إيماني يحتكره المؤمن ولا يقترب منه شرقي وغربي، وبعضه إلهام يخص الله به المخلصين الأتقياء، لذلك يجفل المفتي الجهادي من تهورٍ، ومن سذاجة، ومن ثقةٍ بكافر، ومن التِماس خيرٍ لدى ظالم وإن كان مسلماً، ومن قسوةِ قلب واختلاط نية لدى حليف وإن كان مقاتلاً أو معارضاً للعولمة، والقيادي المسلم يُشفق لدمعة يتيم، وآهة أرملة، وولولة اُم، لكنه يُدرك أن حكمة الله في جعل البشر يتدافعون ويتحاربون من أجل رفع الفساد في الأرض : تقتضي الإذعان لحقائق الأذى، وأن الأمل يستلزم الألم، و " حماس " لن تبيع تراث الدعوة في الفكر والعفاف والنقاء والصفاء جزافاً، وهي الكريمة اُخت الحملات الجهادية الكريمة، ولكنها البخيلة برصيدها من المكرمات لا تـُبذره، وهي تجاهد مع صفوف جهاد اُخرى كريمة لا تدّعي احتكار حق دونها، ولكنها اشترطت شروطاً جهاراً نهاراً، وينبغي أن يتعامل المتعامل مع تصورها الجهادي الكامل دون أن يتجزأ، فإن الابتسارَ انتحار.

˜ وهذا التصور يقوم على فكرة مركزية في تخطيطها ينبغي أن يفهمها الجندي المقاتل كمثل فهم القيادي لها : أن فقه " حماس" يقـصد تـأخير " الصلح " و" السلام " و " التطبيع " مع إسرائيل أطول فترة، وإلى حين أن يُتاح تأسيس دولة إسلامية أو مجـمـوعـة دول إسلاميـة تـــتـولى القـضـية الفـلسـطـيـنـيـة بــإخـلاص وشجاعـة، وفـراسـة " حماس " في ذلك صحيحة، وجاءت قضية العراق الجهادية ببرهان صدقها، فإنّ إسرائيل إنما تحيا بكفالة أميركا وتطوعها لحمايتها، وضربات الجهاد العراقـي توشك أن ترغم أميركا على الانسحاب، وفي دارها تلاوم شديد قد يُطـّور الانسحاب إلى خطة انكفاء أميركي عام ربما يتوسع حتى يصل درجة التخلّي عن إسرائيل، فتكون نهاية إسرائيل متصورة، وقد بدا الموقف الأوربي يميل لمثل ذلك، وللصين والشرق وروسيا انشغال بالخروج من شِـباك العولمة الأميركية، ومن ثم يُـتاح لدولة إسلامية أو دولة مخلصين أن تستثمر ظرف ضعف الظهير العالمي لإسرائيل يوماً ما لتصول جمهرة مؤمنة صولتها لإزالة دولة إسرائيل، والتطور السياسي الذي تشهده البلاد العربية والعالم الإسلامي يوحي بصيرورة الأمور إلى أيادٍ نظيفة، وقد أفلست الحكومات والأحزاب، وشاعت الصحوة الإسلامية، ومارست السياسة، وأتقنت الجهاد، وجاء الاحتلال الأميركي للعراق ليوقظ الطاقات الإسلامية من سُباتها، ويفك الخطط من عِقالها، ويوجه أحاسيس الجهاد نحو عليائها، وقراءة المستقبل تـحتمل تصديق الأحلام، وتكمن قرائن في وُعود الدّين، ومن كل ذلك يتشكل " مذهب حماس"، وبحوث الفكر الإسلامي تملأ الأسماع، ومشاهد الزحف تملأ الأبصار، وتـتناقلها الفضائيات، وبصبرِ بضع سنين اُخرى تمتلئ القلوب بثقة ووعي وأفراح.
q النصر وليد المنهجية... والأنـاة


˜ وتـجبه المجاهد الريادي دوماً تناقضات في تصرفات الفصائل السياسية والجهادية، وتكون في بعض الأحيان صعبة التأويل، ولا يمكن تخريجها وفق موازين الفقه وقواعد التخطيط، وتكون إلى الغموض أقرب، وتلك طبيعة في الحياة الإنسانية لا تبرأ منها شخصيات العاملين، ولمثلها رشّح الخليفة المأمونُ " الأنــاةَ " أن تكون مقدمة لما يرجو من وضوح وقرار صائب، فقال لعبد الله بن طاهر رئيس شرطته :

(تـَثـَبـّتْ، فإن الله عز وجل قد قطع عُذر العجول بما يُمكنه من التثبّت، وأوجب الحُجة على القلِق بما بصَّره من فضل الأناة)(16).

وهي جملة قالها في سياق رقابته الإدارية اليومية، لكنها رسخت كحكمة سياسية وتخطيطية رفيعة المبنى والمعنى، والدعاة المسلمون والمجاهدون أولى من يجددها اليوم، وأن تشتهر عنهم رَويّة وإصغاء بالحسنى وتأملات عند المشاكل وتضارب القول والمفاد والمواقف والبيانات والمناهج، فإن هذه الحكمة تندبهم إلى أن يسمعوا بعقولهم وقلوبهم لا بآذانهم، وما ينبغي أن يستفزهم إغراب مُغرب فيخرجوا إلى ردود فعل سريعة تزيد الأمرَ التباساً، وإنما تكون لهم محاكمات الحكيم الذي يتفكر ساعة قبل أن ينطق، وأما الجفلات واللسان اللاذع فهي شغل الذي لا تعقله أعراف وآداب الأداء الجهادي والدعوي، ولم يتفهم قواعد العدل والقضاء، ولم تطب نفسه بوداعة الأساليب التربوية، وهذه الحكمة المأمونية كما أنها تهذيب لنا نحن أهل الإيمان، فإنها تحذير أيضاً للعجول والحاسد والمنافس، ولكل من يضيق صَدُره عندما يرى نجاح رجال الصحوة الإسلامية، والشواهد الحيوية كثيرة الإشارة إلى أن مقدمات بعض الفتن والمشاكل المؤخرة لنيل الأمة مصالحها إنما كمنت في تصرفٍ ظالمٍ وتزويري جنح إليه صاحبُ سلطةٍ عجول يتجنب الرويّة ويحتكر الحقوق، فتميل النفوس المظلومة إلى الرد والعناد والتحدي، فتكون مشكلة تدلف منها أخلاط وشوائب وأسواء، ورائد السلامة والمصلحة العامة يلعن الشيطان ويلوذ أولاً بركن علم النفس الإيماني، فيعفو ويسامح، فأيما تحرّشٍ بعد ذلك وإسراف في العدوان فإنه يوشك أن يدفع إلى ردود، فإن النفوس قد حباها خالقها بعزةٍ فطرية يزيدها الإيمان توكيداً ويجعلها رأس الشرف، وعندئذ تصدق حكمتنا التجريبية الأولى التي تـنـصح بأن يكـون " الاعتـداد الصلب " هو العلاج لمادة الإزعاج qqq




(1) (2) لسان العرب 2/ 554 / 431

(3) (4) لسان العرب 2 / 565 / 348

(5) (6) البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي 1 / 154 / 227

(7) (Cool لسان العرب 2/ 363 / 430

(9) (10) البصائر 3/ 169 ، 5 / 132

(11) (12) (13) لسان العرب 2 / 543 / 337 / 598

(14) أعيان علماء ليبيا / 64 لناصر الشريف، وأحال على كتاب رياض النفوس.

(15) لسان العرب 1 / 526

(16) البصائر 1 / 226


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المهاجر
Admin
المهاجر


عدد المساهمات : 3264
نقاط العضو : 7684
تقييمات العضو : 27
تاريخ التسجيل : 30/07/2009
العمر : 49

رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد Empty
مُساهمةموضوع: رد: رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد   رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد Emptyالجمعة يناير 08, 2010 10:49 pm

بارك الله فيك ,,, وجعله ذخرا لك يوم القيامة ,,, والى الامام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moftah.mam9.com
عروس غزة
عضو مشارك
عضو مشارك
عروس غزة


عدد المساهمات : 16
نقاط العضو : 17
تقييمات العضو : 1
تاريخ التسجيل : 18/04/2010
العمر : 30

رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد Empty
مُساهمةموضوع: رد: رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد   رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد Emptyالأحد أبريل 18, 2010 6:17 pm

بارك الله فيك

موضوع رائع حقا
شكرا لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رَمْزِيّاتٌ حماسَويّة للأستاذ محمد الراشد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اروع كتب الشيخ محمد احمد الراشد
» منهجية إبداعية في استثمار الخلود .. للشيخ الداعية .. محمد احمد الراشد
» (( أبشر يامصلي الفجر )) للشيخ خالد الراشد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى لمسات للثقافة العامة :: الزاوية السياسية :: الثقافة السياسية-
انتقل الى: